شرفات

من ميرامار إلى القطار الأزرق (ليس الأمر كما يبدو)

قبل خمسين سنة ، قرأت رواية (ميرامار) ، للكاتب الكبير نجيب محفوظ. لم أفهمْها، رغم أنني استمتعتُ بها، وتعاطفت مع بطلتها التي آمنت بالحب، لكن الانتهازية خدعتها وأرادت تحطيمها.

وقبل نحو أربعين سنة قرأت رواية (بيروت 75) ، للكاتبة الكبيرة غادة السمان، وبدأت أتلمس أن ثمة مساراً درامياً لكل شخصية في الحياة حتى لو كانت تركب إلى جوارك في سيارة ولا تعرف أنت الجالسُ قربَها حتى اسمها.

وقبل نحو ثلاثين سنة قرأت رواية الكونت دي مونت كريستو التي كتبها ألكسندر دوما بالتعاون مع أوغست ماكيه، وعرفت أن ثمة أقداراً تكسر أيّ واقع كتلك التي حصلت لرجلٍ مكبلٍ بالحديد في قلعة في عرض البحر..

عليك إذن أن تتصور أن في الحياة مسارات من المآسي والأفراح بعدد البشر، الذين يولدون ويموتون، ويولدون ويموتون ، يولدون ويموتون.

وإذا كنت كاتباً ، وإذا كانت الكتابة هماً يومياً في روحك، فاعلم أنك قادرٌ على أن تحكي عن هذا العالم فتأخذك أسرار الحكايات التي تسمعها أو تقرؤها فيه إلى حيث تسرد ما شئت، فتصنع مملكة الكتابة الكبرى، دون أن تخاف .

قبل نحو سنتين ، وكانت الحرب هي الحكاية، وكان الأمل هو الأمل ــ هل تصدقون أن الأمل في الحرب كان يعني البحث عن الأمل! ــ في قلب البحث عن الأمل جاءت فكرة (القطار الأزرق) ..

كانت فكرة بسيطة جداً ، هي أن نحلُم ، أليس هذا الحق حقاً من حقوق الروح ، واتفقنا سريعاً على الحلم، وكان الحلم ضرباً من الخيال، أو بمعنى آخر يوتوبيا الحكاية الصعبة نفسها، فلا يمكن أن يتحقق الحلم الجميل في صخب الكوابيس واليأس وصفير القطارات الذاهبة إلى المجهول. ومع ذلك اتفقنا على الحلم، وأجملُ ما عند شركاء الحلم أنهم يحبون سورية ويقدمون أحلامهم لأجلها، لهذا كانت رواية القطار الأزرق صرخة ، صرخة حملتها مجموعة من مثقفي هذا البلد، يريد كل واحد منهم أن يقول، أن العقل هو الأول، والحوار طريق العقل، وأن الإنسان السوري هو الهدف.

الكتابُ والفنانون والسياسيون والمخترعون والمبدعون عليهم أن يحققوا معنى الانتماء إلى الوطن بصورته المثلى، وهو يذهب إلى الغد، وفي الغد ستكون سورية أجمل .

في (القطار الأزرق ) صرخة في وجه الدم والحرب ، نداء صادق معجون بروح الانتماء إلى الوطن يتعالى ليعلن أن الحلم هو جزء من الأمل ، وهاهو الحلم بين أيديكم ..

شكرا للكاتب جمال الزعبي الذي سخر عقله النظيف ليكون بطلاً من أبطال الرواية، وشكراً لسهيل الذيب الذي أكدت رواياته المتلاحقة أنه نجيب محفوظ سورية، شكرا لمحمد الطاهر الذي كان حضنا للحلم دافئا كريماً متفاعلاً جريئاً، وشكر أيضا لمحمد الحفري الذي أطلقت عليه لقب حصاد الجوائز وهو يندمج كل يوم بالأدب وينسج مثل بينلوب حكاياته وقراءاته ، وشكرا لنموذج الاغتراب الكاتب الوطني مقبل الميلع وقلبه يخفق من أجل سورية ، أما فاتن ديركي التي ضبطت إيقاع الكتابة كامرأة وحيدة بين ستة محاصرين في محطة، فأعطت النص أناقة المرأة السورية الكاتبة التي لاتبيع عباراتها بالمجان .

قبل شهور تعرفت على الكاتبة مارغريت الجمل في المرحلة الأخيرة من روايتنا، وكنت أقرأ لها روايتها الأخاذة (ليس الأمر كما يبدو) ، وخاطبت نفسي : كان ينبغي أن تكون معنا في المحطة لتجمل روايتنا، فهاهي تجمل احتفالية القطار الأزرق في اللاذقية بعبارة (ليس الأمر كما يبدو).

بقيت نقطة، هل تعرفون المهندس عبد القادر الزوزو صاحب فندق ميرامار الذي استضاف احتفاليتنا مجاناً، كان زميلي في المدرسة منذ نحو خمسين سنة، لذلك دعاني لأتعرف على مشروعه الاقتصادي هنا ، وحكى لي عن ميرامار الرواية والسينما والفندق، وهمس لي وأنا أركب في سيارته عائدَين إلى الشام من اللاذقية .

أنا أشتغل على الحلم، وإلا ما ظهر هذا البناء، وما ظهر اسم ميرامار في عراقته ومعناه ..

من ميرامار إلى القطار الأزرق ، قصة حلم ، رسمه الأصدقاء بمهارة .

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى