تحليلات سياسية

من هِي الجهة التي تَقِف خلف توجيه ضربة قاضية لجواد ظريف بتسريب شريطه الهُجومي على اللواء سليماني وفي مِثل هذا التّوقيت؟

 

أن ينتقد السيّد جواد ظريف الحاج قاسم سليماني رئيس فيلق القدس الرّاحل ويشتكي من هيمنته على الدبلوماسيّة الإيرانيّة، وتغييبه عن مُعظم القرارات الهامّة من قبل المؤسّسة العسكريّة المُهيمنة، فهذا أمْرٌ غير مُفاجِئ على الإطلاق، فالسيّد ظريف استقال رسميًّا، واعتَكف في بيته عندما فُوجِئ بزيارة الرئيس بشار الأسد إلى طِهران قبل عامين ولقائه مع السيّد علي خامنئي المُرشد الأعلى بحُضور الرّاحل سليماني، عبر شاشة التّلفزيون الرّسمي، واكتشف أنّه آخِر من يعلم، ولكنّ المُفاجأة، والسّؤال الأهم في نظرنا هو حول هُويّة “الجهة” التي سرّبت الشّريط الصّوتي لظريف الذي يمتدّ لثلاث ساعات لوسائل إعلام خارجيّة، حافلة بالشّكاوى والانتِقادات للواء سليماني، وسيطرة المُؤسّستين الأمنيّة والعسكريّة على وزارته والتّحكّم في جميع قراراتها، بِما في ذلك تعيين المُوظّفين والدّبلوماسيين، واختِيارها هذا التّوقيت الذي تُحقّق فيه مُفاوضات فيينا النوويّة الكثير من التّقدّم وقبل أقل من شهرين من الانتِخابات الرئاسيّة (في حزيران يونيو المُقبل).

الرئيس حسن روحاني زعيم “الإصلاحيين أو المُعتدلين” الذي تنتهي فترة رئاسته الثّانية بإجراء الانتِخابات المذكورة آنفًا، طلب من جهاز المُخابرات في بلاده التّحقيق في الأمر والكشف عن الجهة التي تَقِف خلف هذا الشّريط المُسَجَّل، ولكنّنا لا نعتقد أنّ طلبه هذا سيحظى بالاهتِمام الجدّي، لأنّها من غير المُستَبعد أن تكون تَعرِف مُسبقًا بالجِهةِ المُسرّبة، هذا إذا لم يَكن أحد عُملائها هو الذي أقدم على هذه الخطوة في إطار خطّة محبوكةٍ ومُتعمّدة.

هُناك ثلاثة احتِمالات حول مسألة التّسريب لهذا الشّريط الذي قِيل إنّه تضمّن مُقابلةً من سبع ساعات لموقع “إيران إنترناشيونال” ولم يَكُن مسموحًا بنشره:

الأوّل: أن يكون السيّد ظريف هو المسؤول الأوّل عن التّسريب لإدراكه بأنّ المؤسّسة العسكريّة، أو مُعسكَر المُحافظين المُتشدِّد، لا تُريد نجاح مُفاوضات فيينا في التّوصّل إلى اتّفاق يُمَهِّد للعودة إلى الاتّفاق النووي ولذلك أراد غسل يديه من المسؤوليّة، وتبرئة نفسه من أيّ مسؤوليّة عن الفشل.

الثّاني: أن يكون جناح المُحافظين، ومُعظمه من المُؤسّستين العسكريّة والأمنيّة، هو الذي يَقِف خلف تسريب هذا الشّريط لضرب مِصداقيّة السيّد ظريف، وإفشال مُسبَق لأيّ نوايا قد تكون لديه لخوض الانتِخابات الرئاسيّة المُقبلة خلفًا للسيّد روحاني، لأنّ انتِقاد “بطل قومي” مِثل اللواء سليماني “من الكبائر” وسيكون له وَقعٌ سَيّءٌ جدًّا على الشّعب الإيراني، وجريمة لا تُغتَفر في رأيه.

الثّالث: أنّ تكون المؤسّسة العسكريّة ونظيرتها الأمنيّة والبرلمان وهو الثّالوث الذي يُسيطِر فِعليًّا على سُلطة القرار، ويحظى بدعم المُرشد الأعلى، أرادَ توجيه ضربة قاصمة لجناح المُعتدلين، وتدمير إرثهم السّياسي، تمهيدًا لانتِخاب رئيسٍ مُتَشَدِّد تُرَجِّح مصادر عدّة أن يكون الجِنرال رستم قاسمي نائب رئيس فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني.

من الصّعب علينا ترجيح أيّ من الاحتِمالات الثّلاثة، لكن ما يُمكِن أن نُرجّحه وبقوّةٍ تلك النّظريّة التي تقول إنّ هذا الشّريط المُسَرّب، وأيًّا كانت الجهة التي تَقِف خلفه، كان بمثابة ضربة قاتلة للسيّد ظريف، والجناح “المُعتدل”، وفي توقيتٍ حسّاسٍ جدًّا أيّ قبل بضعة أسابيع من الانتخابات الرئاسيّة، خاصّةً أنّ ما ورد في الشّريط يُلَمِّح إلى عُلاقات صداقة، ولا نقول عمالة بينه، أيّ السيّد ظريف، والإدارة الأمريكيّة حتّى عام 2016، مُمَثَّلةً بوزير الخارجيّة الأسبق في إدارة أوباما جون كيري.

باختصارٍ شديد نقول إنّ ما يُسَمّى بعصر “الإصلاحيين” أو “المُعتدلين” اقترب من نهايته، إن لم يَكُن قد انتهى فِعلًا، وإنّ عصر المُحافظين المُتَشدِّدين والحُكّام الفِعليين لإيران سيَحكُم في العلن، ويستمرّ في التّخصيب وبمُعدّلاتٍ أعلى، واستِكمال بناء القُوة العسكريّة الإقليميّة “لإيران الجديدة.. واللُه أعلم.

 

 

صحيفة رأي اليوم الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى