كلمة في الزحام

هل تحتاج مهمة سفير الأمم المتحدة إلى توضيح

حكيم مرزوقي

هل تحتاج مهمة سفير الأمم المتحدة إلى توضيح ! إذا كان غضب فيلم “صمت القصور” للتونسية مفيدة التلاتلي هو الذي يقف خلف انطلاقة الممثلة هند صبري، إلى عالم الشهرة والنجومية السينمائية، والتي جعلت المنظمة الدولية فيما بعد، تختارها سفيرة النوايا الحسنة لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، فإن لمتابعي سيرة الفنانة التونسية أن يقاربوا بين ألق بطلة ذلك الشريط وصراخها في وجوه سادة ذاك القصر الذي يعشش فيه الظلم، وانسحابها اليوم، من المنصب بعد 13عاما من هذا التكليف التشريفي.

هو انسحاب يشبه “الصمت في وجه الصمت” لدى الكثير من محبيها والمعولين على نجاعتها المعنوية. وتأثيرها الرمزي في منصب هو بمثابة التكليف التشريفي من أساسه. ولن “يوقف التجويع كسلاح حرب” كما جاء في بيان استقالتها. الذي قالت فيه موضحة”. لقد حاولت إيصال صوتي على أعلى مستوى في برنامج الأغذية العالمي والانضمام لزملائي في المطالبة باستخدام ثقل البرنامج. مثلما فعل بنجاح في السابق للدعوة والضغط بقوة من أجل وقف إطلاق النار الإنساني والفوري في قطاع غزة”.

وإذا كانت هند صبري، تقر بأن برنامج الأغذية العالمي نجح في السابق. فلماذا لا تعيد الكرة وتحاول من جديد. و”لها أجر واحد” بما أنها تعرف ـ والجميع يعرف ـ أن فاعليتها محدودة، ولا سلطة لديها ولا قوة تنفيذية تضغط على إرادات دولية وغايات وتعقيدات سياسية لدى الدول المؤثرة؟

موقف سفيرة النوايا الحسنة لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة بسبب استخدام اسلوب التجويع والحصار من قبل قوات الاحتلال الاسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، أعاد إلى الاذهان مواقف لنجوم عرب قدموا استقالتهم لأسباب مشابهة. ومن بينهم مواطنها الفنان المطرب لطفي بوشناق. الذي تخلى عن ذات المنصب الفخري الأممي الذي كلف به منذ سنوات. بسبب “صمت المنظمة أمام ما يحدث في حق المدنيين الأبرياء من الفلسطينيين”.

ترى، من يستفيد من هذا “الشعور بالعجز عن القيام بالواجبات المعتادة من خلال برامج الأمم المتحدة”، بحسب وصف ” سفراء الفن العربي في المحافل الدولية” من الذين سبق أن قدموا استقالاتهم بالتتابع، وخصصوا لها ندوات صحفية مع كل انتكاسة تصيب الفلسطينيين والعرب؟

أين أصداء أغاني بوشناق، الذي صدح بحنجرته للفقراء والمتعبين، ودعا المسؤولين ل”أخذ المناصب والكراسي وترك الوطن”؟ أين أعمال دريد لحام، الدرامية الطافحة بالدفاع عن المستضعفين، والتي كتبها نهاد قلعي ومحمد الماغوط، من وقوفه إلى جانب ميليشيات حزب الله في لبنان ومن ثم تقديمه استقالته لأسباب مشابهة، وعنوانها دائما: العجز الأممي على صد العدوان وإغاثة المنكوبين.

طبعا، تختلف التقييمات والمواقف والنوازع من فنان لآخر.وتتأرجح شعبية كل منهم في بلاده بحسب مواقفه مما يستجد من أحداث. إلا أن لا أحد ينكر القوة الناعمة التي يمثلها الفن والفنانون في التأثير والتصدي للحالات الإنسانية.

قد يساند هند صبري زملاء لها في الفن كالسوري جمال سليمان . الذي سبق أن اتخذ مثل موقفها وتخلى عن هذا المنصب الذي لا يتقاضى عليه أصحابه أجرا، وعبر عن تضامنه معها قائلاً “كل إنسان حر بمواقفه وتقديراته وفهمه للأمور، والتاريخ يكتب حسب خيارات كل شخص والمساهمة المتواضعة أفضل من لا شيء”.

هذه “المساهمة المتواضعة” هي ما يأمله المنكوبون وينتظره الناس من سفراء الأمم المتحدة للنوايا الحسنة على غرار النجمة أنجيلا جولي، التي تفقدت اللاجئين على الحدود الليبية التونسية عام 2011، وكانت زيارتها بمثابة هدية سقطت من السماء على قلوب المنكوبين الذين استفادوا من المساعدات المصاحبة، ولكن السؤال الذي يطرح: من هو النجم السفير وما هي المنطقة والحرب التي قدم بشأنها؟.. ذلك يندرج في ذمة ومصداقية الأمم المتحدة في تقديرها لحجم الكوارث الإنسانية، ومدى التسريع في الإغاثة والمساعدة.

وقبل أنجيلا جولي، ومعها وبعدها في العمل الطوعي الأممي، كانت النجمة الإيطالية صوفيا لورين، ومصمم الأزياء جورجو أرماني، والقائمة تطول، ولكن، لماذا لا نسمع كثيرا عن استقالات متكررة عن هذا المنصب لنجوم عالميين، ما عدا العرب، وفي المسألة الفلسطينية بالتحديد؟

هذا السؤال بدوره، هو في ذمة الأمم المتحدة، لكن النسج على منوال المظلومية التاريخية فيما يخص القضية الفلسطينية يبقى مبالغا فيه أحيانا لدى بعض منتقدي هذه المبادرات السلبية الخالية من الفعل والأمل وتوقع الإيجابيات، وإلا لانطبق علينا هجاء الحطيئة في قوله “دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي”.

أقل التقديرات والاعترافات تشير إلى أن سفراء النوايا الحسنة هم مجموعة من الشخصيات العامة الأكثر تأثيراً وشهرة. والذين يوفرون الدعم للمفوضية في كل ركن من أركان العالم. وهم يسخرون نفوذهم خدمة لقضايا اللاجئين والأشخاص الذين تعنى بهم المفوضية ويظهرون تفانياً لا مثيل له.. هذا ما يبدو لنا على أقل تقدير.. ومن منا لا يحب تقديم المساعدة ويسعى إليها؟

وبالعودة إلى الفنانة هند صبري سفير النوايا الحسنة في الأمم المتحدة، التي يسجل لها التاريخ مواقف مشرفة داخل المنصب الأممي وخارجه. وفي دعم القضية الفلسطينية وغيرها. كما يظهر ذلك في سجل نشاطاتها على وسائل التواصل. فإن ما يحتاجه سكان غزة اليوم، هو المساعدة ولا شيء غير المساعدة وبأي طريقة. أما تسجيل المواقف وإصدار البيانات فليس وقته.

سكان قطاع غزة الآن يحتاجون إلى الفعل وليس إلى القول. وجل ما نخشاه أن يركن النجوم العرب من سفراء النوايا الحسنة إلى الاستعراضات، وكسب المزيد من النجومية. عبر المواقف شبه البطولية أو ربما محاولة استردادها كما فعل السوري دريد لحام حين فقد شعبيته في الداخل.

 

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى