أنسام صيفية

ندرة اليازجي يزورني

فجأة عاد إلىّ صديقي الكاتب الفيلسوف ” ندرة اليازجي ” و أنا أتفقد  رزمة من محاضرات و مقالات قديمة له حضرتها و أهداني نسخة عنها تحت هذا العنوان : ” البعد الإنساني أو الشمولي للفلسفة  “…

ها قد مرّ على وفاة ” ندرة اليازجي ” أكثر من خمسة عشر عاما. و إذ بي ألتقي بإسمه بين أوراقي فأبادر فورا إلى قراءة تلك المحاضرة التي ألقاها منذ سنين، و مازلت أحتفظ بها هدية تذكرني به كونها حقا محاضرة جديرة بالبقاء ..

جلست وحدي أقرأ و أستعيد ذكرى هذا الكاتب الذي غمرني بلطفه و ذكائه و نوعية الشخصية التي طالما أدهشتني بثقافتها وعمق تجاربها و نوع التفكير الفلسفي العميق في كل ما كان يقوله أو يكتبه …

ها هو قد رحل و ترك وراءه ذكرى لا تنسى لشخص لا شبيه له في بلادنا كما كان يتمتع به في بداياته كشاب رياضي ثم كمثقف أشبه ما يكون بحامل رسالة روحية غنية بأفكارها و أسلوبها. و كأن صاحبها حقا فيلسوف فكري أخلاقي إنساني أشبه ما يكون بالأنبياء القدامى الذين عاشو طويلاً كي يؤدوا دوراً ثقافياً و أخلاقياً لا مثيل له في من أعاشرهم و ها هو قد مات و كاد الزمان يطوي ذكراه ، و مع ذلك فلم أسمع محاضراً أو كاتباً أو محدثاً يذكر اسم   ” ندرة اليازجي ” و كأن النسيان طواه !

إقرؤوا معي هذا المقطع من محاضرته المذكورة آنفا:

((… في العلم يبحث العقل عن الحكمة التي أضاعها و يثور على معطيات التعديية الظاهرية و الوحدة الباطنية و يتصور العقل الحقيقة الواحدة الكامنة في الوجود و هو يمارس الحكمة و الحقيقة الكلية في مبادئه ..و هكذا يعود العلم في واقعه الحالي عائدا إلى الحكمة بحثا عن الحقيقة الكونية ، من خلال تجاربه الداخلية العميقة …))

كانت محاضرة هامة ألقاها و مات بعدها بأمد قصير …

و ها هو يدق الباب على ذاكرتي حاملاَ إياها و كأنه إشتاق لي كما اشتقت إليه ، فإلى اللقاء يا صديقي العظيم ” ندرة اليازجي ” ..لقد رحلت و إسترحت ، أما نحن فما زالت المتاعب المحيطة بنا تتضخم و تتزايد على وجودنا و ما من كاتب مثلك يكشف الغطاء عن هذا الوجود الخانق ..فإلى اللقاء القريب أيها الفيلسوف الكبير الذي مضى قبلي إلى عالم الموت كي يحدثني كعادته طويلا عن الحياة ، و الموت ، و الحقيقة الكونية المعقدة عند لقائه بي …

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى