نوافذ

هدية

كان السجناء المزدحمون في مساحات ضيقة وصغيرة ومغلقة يمسكون بقمصانهم، بعد ترطيبها بالماء، ويلوحون بها، في إيقاع واحد، كمروحة بشرية متناغمة، فيمتلىء المكان بالرطوبة والبرودة… والحياة.

كان السجناء المزدحمون… يؤلفون، على إيقاع الأكف، أغاني الحرية والاشتياق للخارج… وفي خلال سنوات مديدة من السجن تكدست في المسامع والذاكرة أغان تورث نفسها من جيل مزمن بأحكام الإعدام، إلى جيل مذنب بالتورط في الأغاني.

كان السجناء المزدحمون ثلاثة: أحدهم مات حلمه بالحرية لأنه محكوم بالمؤبد. وثان مدمن أغاني ولديه قيثارة أندلسي في خيال الحكاية المزعومة أنها تأليف جد عربي من غرناطه. وأما الثالث، فيؤمن بأن أحداً ما من الخارج سيحرر السجناء ويهدم الجدران، ويملأ الحياة وعوداً.

هؤلاء الفصائل الثلاث…فجأة يستيقظون جميعاً في السجن المركزي في البلد “م” وهو بلد عربي إسلامي من مواليد الزنا القديم ، القائم بين الخلافة والاستبداد. يستيقظون على باقة ورد كبرى ترمى من نافذة السقف فينتشر عطرها، وتتراقص ألوانها. ثم ، فجأة ، يدخل العسكري المزمجر، سابقاً، وهو مملوء بالابتسامات ويجرعربة تكدست عليهاعلب الحلويات.

كان السجناء المزدحمون… قد نسوا ماذا تعني الحلويات.

وكانت دهشتهم صراخاً… يسألون العسكري وزملاءه عن سبب هذا السخاء. والأهم عن سبب اختفاء الجهامة، وحضور الابتسامة؟

قال العسكري مضمرا مفاجأة :

كيف، إذن، سيكون حالكم لو علمتم أنكم جميعاً ستضبون حقائبكم وتستعدون للخروج أحراراً طلقاء؟

وفجأة صارالسجناء المزدحمون… فرقة إنشاد واحدة ، تغني أجمل وأقدم أغنية ألفها شاعر، عاش ومات في هذا المكان الضيق : “ما ضل وقت… إلاّ لزمان الحرية”.

كانت الحقائب تهبط وتطير وتعلو وتمتلىء وتنغلق وتنقفل وتؤلف أكداساً… وقد لبس السجناء المزدحمون أجمل بقايا ألبستهم التي هرأها الزمن .

ازدحمت الباصات. هدرت المحركات. هبط من السماء كل سجين إلى بيته. ذعر الأهل. أغمي على الأهل… هدأت العاصفة كلها.

ثم فجأة …علمنا :

الملك …أعفى عن 7000 سجين ، هدية منه في مناسبة طهور ولي العهد.

بوابة الشرق الاوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى