تحليلات سياسيةسلايد

هل يُريد أردوغان أن يكون أوّل المُبايعين للأمير محمد بن سلمان

أخيرًا رضخ الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان لشُروط الأمير محمد بن سلمان وليّ العهد والحاكم الفعلي للسعوديّة، وأغلق مِلف اغتيال الصحافي جمال خاشقجي من خِلال مُوافقة وزير عدله بإيعازٍ منه، على طلب نقل القضيّة ووثائقها إلى القضاء السعودي، مُقابل تحسين العُلاقات بين البلدين، ورفع الحظر “غير الرّسمي” على البضائع التركيّة.

هذا الرّضوخ لم يَكُن مُفاجئًا، لأن الرئيس أردوغان تجاوب بالكامِل مع شُروط مِصريّة مُماثلة بإغلاق أو لجم محطّات مِصريّة تلفزيونيّة إسلاميّة مُعارضة، وسلّم مُعارضين من أقليّة الإيغور الصينيّة إلى حُكومة بلادهم، وغضّ النظر عن عمليّات اغتِيال لمُعارضين إيرانيين، وآخَرين من الشيشان من قبل أجهزة مُخابرات حُكوماتهم، ولا نستبعد أن تكون الخطوة المُقبلة إبعاد مُعظم قيادات حركة “حماس” وعناصرها من الأراضي التركيّة بعد زيارة إسحق هيرتزوغ رئيس دولة الاحتِلال الإسرائيلي لأنقرة قبل شهر، والاستِقبال الحافِل الذي حظي به، وتلبيةً لشُروطٍ وإملاءاتٍ إسرائيليّة.

المبادئ والقيم الإسلاميّة تحتل مكانةً مُتدنّية على سُلّم أولويّات الرئيس أردوغان، ولو كان الخاشقجي حيًّا، ربّما لبادر بتسليمه إلى السلطات السعوديّة، فالمُهم أن يبقى في القصر الرئاسي، وأن تتعافى الليرة، ويتجاوز الاقتصاد التركي الصّعوبات التي يُواجهها حاليًّا بسبب فشل سِياساته.

الرئيس أردوغان كان مُمثِّلًا بارعًا، استَطاع توظيف “الإسلام السّياسي” في خدمة الولايات المتحدة الأمريكيّة ومُؤامراتها ضدّ دول عربيّة وإسلاميّة عديدة، مِثل سورية والعِراق وليبيا ومِصر، ومن المُؤسف أن بعض قادة الحركات الإسلاميّة ما زال يُنظَر إليه كخليفة، وأمير للمُؤمنين، ويُدافع عنه بشراسة.

تأييد الرئيس أردوغان للقضيّة الفِلسطينيّة كان كلاميًّا، ولم يُقدّم للمُقاومة الفِلسطينيّة وحركة حماس بالذّات رصاصة واحدة، أو دولارًا واحدًا، باستِثناء بعض المُساعدات “الكلاميّة”، تَجَنُّبًا لإغضاب دولة الاحتِلال التي لم يقطع عُلاقاته معها مُطلقًا، واكتفى في ذروة العُدوان على غزّة بسحب السّفراء فقط، ومع ذلك استمرّ بعض الإسلاميين، وفي “حماس” نفسها، تأليهه والتّسبيح بحمده، وما زالوا للأسَف.

الرئيس أردوغان لا يفهم إلا لغة القُوّة، ولهذا ركع للأمير السعودي، وقبلها للسّلطات المِصريّة، وأفرج عن القس الأمريكي روبنسون، واعتَذر للرئيس بوتين عن إسقاط طائرة روسيّة قيل إنها اختَرقت الأجواء التركيّة في بداية الأزمة السوريّة، وجاءَ الاعتِذار باللّغتين التركيّة والروسيّة معًا، وصَوتًا وصُورة.

لا نستبعد أن يجثوا الرئيس أردوغان على رُكبتيه تحت أقدام الرئيس السوري بشار الأسد  “يومًا ما” مُعتَذِرًا عن دوره التّدميري لسورية، هذا إذا بقي في الحُكم بعد الانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة التركيّة التي ستجري في العام المُقبل، مثلما لا نستبعد أيضًا أن يطرد اللاجئين السوريين من بلاده، ويُسلّم بعض المُعارضين للسّلطات السوريّة كعربون لحُسن النّوايا، وإعادة العُلاقات بين البلدين.

لا نعرف ما إذا كان وليّ العهد السعودي سيقبل هذا الرّضوخ لشُروطه أم لا، فالتّنازلات الضّخمة التي قدّمها الرئيس أردوغان لمِصر، كانت وما زالت، لا يتصوّرها عقل، ولكن الرّد المِصري عليها كان فاترًا، وحتى هذه اللّحظة لم يتم عودة السّفراء بين البلدين، لسببٍ بسيط لأنّ السّلطات المِصريّة تعتبره مُتَقَلِّبًا، ويُغيّر مواقفه بسُرعة، ويميل حيث تميل الرّياح، ولهذا لا تثق به.

خِتامًا نقول إن الرئيس أردوغان بتنازله عن قضيّة اغتيال الصحافي خاشقجي في قُنصليّة بلاده في إسطنبول بطريقةٍ بشعة أراد أن يكون ليس أوّل المُعتذرين، بل أوّل المُبايعين للأمير محمد بن سلمان ملكًا على المملكة العربيّة السعوديّة، وخادمًا للحرمين الشريفيين، وليذهب الإسلام السّياسي الذي تَوجّه خليفةً للمُسلمين إلى الجحيم.

 

صحيفة رأي اليوم الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى