تدخل المنطقة العربية العام الجديد على وقع الحرب في غزة وهي تترقب ما ستؤول إليه ترجمة نتائج المعارك الدائرة على طاولة التسوية السياسية وأي حال ستصبح عليه المنطقة.
وبينما تركز الإدارة الأمريكية على استبعاد كل من نتنياهو وفريقه وكل من حماس والجهاد ومثيلاتها من مستقبل الفلسطينيين ضمن حل الدولتين، تسعى الحكومة الإسرائيلية بمتطرفيها إلى إلغاء ونفي الأسس الضروريه لإقامة أي دولة فلسطينية عبر الاستيطان كما أوضحت إحدى زعيمات الاستيطان و جارة سموتريتش في غلاف غزة (دانييلا فايس). هذا من جهة إسرائيل، وردا على ما تفعله إسرائيل فإن حماس والجهاد تعودان إلى شعار (التحرير من النهر إلى البحر) المتضمن إنهاء الكيان. ونتيجة هذا الجهد الصهيوني الاستيطاني من طرف والرد الفلسطيني عليه من الطرف المقابل فإن حل الدولتين بات بعيداً عن إمكانية تطبيقه من الناحية الواقعية و وفق منطق الأمور المتحكمة بهذا الواقع.
في مقابل التمسك الأمريكي العلني بحل الدولتين فإن الحكومة الإسرائيلية تطرح حلولاً تستبعد فيها قيام دولة فلسطينية من إعادة إحتلال القطاع وخلق إدارة مدنية فيه مع استباحة عسكرية وأمنية إسرائيلية له، إلى تقسيم هذا القطاع إلى مربعات وإعطاء العشائر مقاليد إدارتها بواقع عشيرة لكل مربع. مما يخلق تفتيت القطاع بين إدارات عشائرية متناحرة. الجيد أن العشائر ترفض هذا الحل حتى الآن. كذلك تطرح إسرائيل حلاً يقوم على تهجير أهالي غزة سواء قسراً أم طوعاً لتفريغ القطاع و إعادة استيطانه من قبل المستوطنين وكلها حلول صهيونية استيطانية متطرفة تقوم على أساس الإبادة الجماعية تحقيقاً لصفاء يهودية الدولة اليهودية. وكلها حلول مرفوضة عربياً وفلسطينياً ودولياً. والأهم أنها مفجرة للأوضاع ومهددة للسلم والأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، ومهددة قبل كل شيء للاسرائيليين في أمنهم و أستقرارهم.
بالتوازي. فإن العرب ومع تمسكهم بالمبادرة العربية القائمة على حل الدولتين وحق العودة واستعادة كامل الأراضي المحتلة مقابل التطبيع العربي مع إسرائيل، مع تمسك الدول العربية بهذه المبادرة فإنهم يبحثون عن حل يحدث ويطور ما جاء فيها للتوافق مع مستجدات السنين الماضية. لكن المسعى العربي يصطدم بالتعنت الإسرائيلي المناور والمراوغ، ويصطدم أيضاً مع سياسات بعض فصائل المقاومة. وكمثال فإن حماس لم تتعاطى أو تتواصل مع الدول العربية حول ما يجب القيام به، ولم تطمئن الدول العربية سواء حول انخراطها في أو مع تنظيم جماعة الإخوان المسلمين وما يقومون به ضد معظم الدول العربية. أو حول انضوائهم في السياسات الإيرانية التي ترى الدول العربية في تمدد نفوذها تهديداً للعروبة والمصالح العربية. وإذا كانت عدوانية العدو الصهيوني مفهومة في عرقلتها للمبادرة العربية فإن ابتعاد أو اصطدام سياسات حماس ومثيلاتها مع السياسات العربية غير مفهومة وتحتاج إلى إعادة نظر و إلى مبادرات سياسية تصحيحية.
وطالما برزت الادارة الأمريكية كمتحكم أساسي في تطورات المنطقة الجارية فإن عليها، إن كانت جادة في البحث عن استقرار المنطقة، عليها إيجاد طريقة مجدية لتنفيذ حل الدولتين ولفرض قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي المحتلة في عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. فهل يحمل بلينكن في زيارته إلى المنطقة هذه الأيام حلاً عملياً لتنفيذ حل الدولتين. كما على الادارة الأمريكية أن تقنع إسرائيل او تجبرها على الاقتناع أنه لا أمن ولا استقرار للاسرائيليين دون إعطاء الفلسطينيين حقهم الوطني في دولة مستقلة. هل يمكن أن يبيع نتنياهو هذا الاقتناع لبايدن مقابل نجاته من المقاضاة والمحاسبة أو مقابل استمراره في حكم إسرائيل بمساعدة الأمريكيين ؟؟!!
من جهة أخرى، على حماس أن تجد الطريق للانخراط مع الأمة العربية في الدفاع عن القضية الفلسطينية، وهذا الانخراط يستلزم إقناع العرب والدول العربية بابتعاد حماس عن ممارسات الإخوان المسلمين المؤذية لمعظم الدول العربية. كما عليها برهنة أنها ليست ذراعا إيرانية تجاه المصالح العربية و ضد الحكومات العربية. والأهم أن يتم انخراط حماس مع الدول العربية عبر طرحها لمبادرة لحل سياسي يترجم ويكون امتداداً لعملية طوفان الأقصى. لابد أن يكون للمقاومة هجوماً سياسياً واقعياً و قابلاً للتطبيق ومقبول من المجتمع الدولي، فهل تنتظر حماس اللحظة المناسبة لطرح رؤيتها للحل السياسي المكمل لعملية طوفان الأقصى؟؟؟ أم أنها اكتفت بصياغة شعار ( و أنه جهاد نصر أو استشهاد) ولم تبتكر حلاً سياسياً يكمل إنجازات طوفان الأقصى بأساليب السياسة والتفاوض و إنجاز تسويات..
المصيبة ان كل الحلول المطروحة لإنهاء الحرب في غزة مشلولة. حل الدولتين معاق من الاستيطان ومن عدم جدية الادارة الأمريكية. و الحل الكامن في شعار ( تحرير فلسطين من النهر إلى البحر) لا يبدو قريباً أو متاحاً. وإفناء إسرائيل ما زال شعاراً من صنف المخدرات السياسية حالياً. والمبادرة العربية تجاوزتها الوقائع و تحتاج لتطوير وتحديث. اما تهجير الغزاويين فدونه رفض دولي و عربي. و إعادة إحتلال القطاع سيفجر أمن إسرائيل اكثر. اما إعادة استيطانه فهو الوصفة المدمرة للأوضاع بما يتجاوز طوفان الأقصى. وهكذا لابد من حل يتصف بإمكانية التطبيق و يمتلك وسائل التنفيذ. و الأهم انه يقدم للشعب الفلسطيني حقوقه الوطنية عبر دولة فلسطينية ذات سيادة مقابل أمن إسرائيل، و ريثما يصل العالم والعرب واسرائيل والفلسطينيون، وقبل الكل ريثما تصل الادارة الأمريكية المتحكمة بالمنطقة لمثل هذا الحل و مقتضياته، يستمر الشعب الفلسطيني في قطاع غزة يعاني القتل والتدمير والتفجير والجوع والأمراض والتشرد، نتيجة الجرائم الصهيونية ونتيجة عدم وجود وإنجاز حل سياسي قابل للتطبيق. وبذلك ستبقى المنطقة العربية بحالة تفجر و اشتعال بعيداً عن الاستقرار وانتظارا لتسوية يكثر الحديث عنها، ولا ضوء في نهاية النفق.. حتى الآن!!
بوابة الشرق الأوسط الجديدة