أعاد الناقد السوري عبد الله الشاهر صياغة رؤيته النقدية للمكان من خلال محاكاة آسرة في الأسلوب والمفردات ذهبت إلى الإحساس الروحي عند الكاتب فنهلت منه في تكوين العبارة وصياغتها، ومع ذلك لم تتخل عن قواعد النقد التي يشتغل عليها..
أثارت رؤيته التي صدرت في كتاب (أنسنة المكان) الصادر مؤخراً عن دار بعل اهتماماً صحفياً ونقدياً وأقيمت حوله ندوة واسعة في فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب في دمشق .
ويوضح الدكتور الشاهر أن هذا النص الذي يتحدث فيه عن أنسنة المكان جاء بناء على طلب من الكاتب المغربي الدكتور (الحبيب دايم ربي) دعا فيه إلى مشاركته في مجموعة شهادات بحثية عن المكان لتقدم في المغرب بإصدار جديد.
لكن الدكتور الشاهر استغل الفرصة ليقدم نصاً دافئاً يرد فيه على طلب الباحث المغربي المذكور، وقد قسمه إلى مجموعة أقسام أهمها : الطفولة والكتابة والأنسنة والأنثى وحنين، وفي هذه الأقسام دخل الناقد عبد الله الشاهر في بوح خاص رسم معالم خصوصية للنص يعتبر إضافة في محاكاة النقد للفكرة.
ينفي الدكتور الشاهر أن يكون المكان مجرد جغرافية، بل هو المعرفة .. سيميائية تحيلينبي إلى الانتماء ، كما يقول في الصفحة 17، لأنه ارتكز على قاعدة تقول :
المكان أنا .. المطبوع فيّ أشياؤه وناسه وحكاياته وشوارعه وحواريه ص15
فأقسى أنواع القتال هو قتال النفس، خاصة، حين تكون في مواجهة مع ماضيك، وقتها لامجال للمراوغة أو النكران ولا حتى التبرير، لأن الأمكنة ستشهد عليك وتقف شاخصة ذكرى على يقينية اللحظة .
هذه الفلسفة الخاصة للعلاقة مع المكان دفع بها الدكتور عبد الله الشاهر إلى تفاصيل الذكريات والتأسيس لعلاقة المكان بها، فيقول عن مدينته السورية الميادين :
بين مدينتي وأنا .. عشق قد لا أبوح به لكنه مزروع في كياني ..أنا مطبوع على حجارتها .. مرسوم على جدران شوارعها .. ص 18 ، وهي مطابقة حسية عاطفية تحمل الكثير من الصدق الذي يدفعه إلى تحديد جغرافية المدينة التي تتكيء على كتف الفرات الأيمن وتفرد جسدها على أطراف البادية الشامية .. هي مليئة بالأسرار والصور والحكايا .. بالإلفة والمودة والحب، ويتذكر أول مكان في المدرسة وهو في الصف الأول ويذهب إلى فناء المسجد والمئذنة لأن الأمكنة تعيش فينا .. تحاكينا .. وربما تحكمنا . ويؤكد أن “ذاكرة المكان وشم لايمكن التخلص منه” ص 38
وعندما يقارن بين إنسانيتنا وإنسانية المكان يشعر أن كفة المكان ترجح : “كنت أبحث في تلك الأمكنة فكانت الذكريات أغنيات صامتة ورقص داخل جسدي” ص50
كذلك تفوح من نصه أطياب العلاقة مع النساء ، فهن ” يطفئن الظمأ ويدفئن القلوب المرتجفة” كما يقول في الصفحة64 ، وسريعا ما تتحول المرأة الأنثى إلى مكان إلى فضاء الى هوية الى وطن كما يرى في نصه.
كذلك يستعيد في ذاكرته أشياءه ، فإذا به يعلن : يأكلني مكان مكتبتي .. يحاصرني .. واتوق الى منظر مكتبتي بتنسيقها . فتكبوا همتي وتخور قواي، لكن سورية تتواجد في كل السطور كحالة انتماء وقوة ، إلا أنه يستعيد ماجرى ، ليؤكد أن ماجرى في سورية اكثر مما فعله هولاكو في بغداد ..
المرتزقة القادمون استباحوا كل شيء في بلادي ص 82
بوابة الشرق الأوسط الجديدة