نوافذ

عن “الأنظمة” لا عن “الشعوب”

لُجين سليمان

الصين (تشونغشينغ) ــ أُقيم في جامعتنا مؤتمرا علميا في ميكانيك التربة والصخور، وذلك من أجل مشاركة المعلومات والنتائج التي توصلنا إليها في الأبحاث، بغية تقييم الأعمال وتقديم اقتراحات جديدة. إذ قدّم كل باحث ما قام به مدة عام كامل، مع اقتراحات تتعلق بمزيد من الربط ما بين الأبحاث المقدمة وما يحتاج إليه الواقع العملي الهندسي في الصين، لا سيما وأن الحاضرين قد جاؤوا من مختلف أنحاء البلاد، وبالتالي يدركون جيدا النقاط التي من المفترض أن يتم التركيز عليها.

قدّمتُ عرضي باللغة الصينية كلاما وكتابة، وذلك لعدة أسباب أولها أن اللغة الصينية كانت بمثابة تحدّ لي، وكان يجب تجاوزه، والثاني أني أعرف أن اللغة الإنجليزية قليلة الانتشار هنا في الصين، إذ أن الغالبية العظمى لا يتحدثون بها.  طبعا كانت سعادة الحاضرين كبيرة بالأجنبية القادمة من سوريا، والتي ألفت الصين وأحبتها وباتت تحب كل ما يرتبط بها، من لغة وعادات وتقاليد. وفي الحقيقة لم تكن الأجواء تنبض بالسعادة فقط، بل كانت تنبض بالمحبة أيضا، فأهل الشرق من الصينيين يُحبّون الغريب ويكرّمونه.

بعدها انتهاء الاجتماع، قال لي أستاذي المشرف: “على الرغم من كل سعادتنا بالسورية التي أصبحت صينية، ولكن في المرات القادمة يمكنك تحضير العرض باللغة الإنجليزية كتابة على الأقل، يجب أن نشعر بأنك أجنبية، نريد أن نشعر بوجود اختلاف، فاليوم لم نشعر باختلاف بينك وبين الصينيين”.

استوقفني كلامه، واستوقفتني فكرة الاختلاف التي ذكرها، لسببين الأول، أنه في سوريا، بإمكان أي اختلاف بسيط بيننا أن يحولنا إلى أعداء، وهذه بالطبع ليست مشكلتنا نحن بل للأمر مشاكله السابقة والعميقة والتاريخية على مختلف الأصعدة، وأما السبب الثاني فهو متى يكون الاختلاف في المجتمع مطلوبا، ومتى يكون حالة صحية، أي متى يُمكن إدخال الاختلاف على المجتمع كحالة مميزة.

إضافة إلى مختلف المشاكل التي تحيط بنا، والأخرى الموجودة في الداخل السوري، وبعد إحصاء الأخطار والتحديات الداخلية والخارجية، الاقتصادية والأمنية والسياسية، الاستعمارية والتدخلية، بدأت تظهر مشاكل أخرى على الصعيد الاجتماعي تتعلق بعدم قبولنا للآخر، لا بل تخوينه في حال مخالفة الرأي، وهي أيضا من المشاكل المرتبطة بالماضي. لا سيما وأننا خرجنا من ماض سيء، كان الاختلاف فيه خيانة، ولم يزل هذا الأمر مستمرا حتى اليوم، في ظل حصول انقلاب في المشهد، بدلا من إعادة ترتيبه على أسس تبني مجتمعات سليمة، إذا أنّ أبطال النظام السابق أصبحوا اليوم خونة، وخونة النظام السابق تحولوا إلى أبطال، وهو ما جعلنا حتى اليوم بعد أكثر من شهرين على سقوط النظام، لم نزل ندور في فلك أفكاره وماضيه الرديء، وعلى الرغم من أن مدة الشهرين لا تعد مدة طويلة، إذ أنه قد يكون من الطبيعي أن يكون الوضع على ما هو عليه، إلا أن التهديد الحقيقي يكمن في استدامة هذا الواقع، لا سيما وأن كل ما يحدث حتى اليوم، يحدث  بدون معايير تتعلق بالعدالة، وهو ما يُحيل الاختلاف مجددا إلى خيانة، وهو ما لا يبني مجتمعا أفضل من سابقه بكثير.

قد لا نستطيع أن نطالب أفراد الشعب السوري اليوم بأن يكونوا على درجة كبيرة من الوعي للتصدي للعقبات، فقد أثبت الوقائع أن الأنظمة تحكم أدق التفاصيل في حياة الأفراد بما فيها سماتهم الشخصية، وهو ما يسمى في علم النفس الشخصية السياسية، وهو ما قد رأيناه سابقا بالفعل. كما أن وعي الشعب السوري كان كبيرا بالفعل لا سيما في الأيام الأولى بعد سقوط النظام، وبالتالي فإن المشكلة الراهنة اليوم ليست مشكلة شعب بل مشكلة نظام يحكم هذا الشعب، لا بد من ان يقبل الاختلاف، كي يتعوّد الناس ويتعلموا هذا الأمر، بما يزيل الخلافات المحتملة، والشروخ الاجتماعية القائمة والمحتملة التشكل.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى