من نحن في هذا الكون ؟!
أعذروني على الكتابة في هذا الموضوع الخارق و أنا لست إلا ذبابة من الذباب البشري بالنسبة لمضمون هذه الكلمة العظمى ” الكون ” ! و لكن كيف تريدون أن أنجو من التعليق و لو بهذه الخاطرة المتواضعة جدا و قد وجدتني أمس مأخوذا بكتاب عنوانه ” الكون” قرأته من قبل و أعيد قراءته دوما من حين لأخر لا لشيء إلا لأسبح في فضاء لا نهاية له و لو سباحة خيالية لا مفر منها كما يبدو لمن يفكر و يتعبه التفكير …
الكتاب من تأليف العالم الفلكي الكبير ” كارل ساغان” .. تصور أولا هذه الأبعاد فمجرتنا مثلا المسماة درب التبانة كما أعرف أو ” درب اللبانة” كما يسميها ” ساغان” تبعد ما يعادل 70ألف سنة ضوئية عن أقرب مجرة إليها فتخيلوا المسافة إذ تذكرتكم أن سرعة الضور في الثانية الواحدة 30,000 ثلاثون ألف كيلو متر ، و بعد الكوكب ” الأرض” الكوكب الذي يعيش فرق عن مركز مجرة ” درب التبانة” 300,000 سنة ضوئية أما الكوازار – و هو جرم سماوي غامض بالنسبة لنا يطلق في الثانية الواحدة طاقة تعادل بالنسبة لما تطلقه شمسنا ( الأكبر من الأرض بمليون مرة ) بعشرة الاف سنة ، و يبعد عن كوكبنا ثمان مليارات سنة ضوئية .
أحسبوا إذن الآن مساحة هذه المسافات الخارقة التي تتعب العقل البشري في إدراك حجمها وأبعادها كأرقام لا تحصى .. من نحن إذن البشر بالنسبة لهذه الأفلاك ، و ما حجم أرضنا المتواضعة بالنسبة لهذه النجوم و الكوزارات الأكبر منها بمليارات مليارات الحجم الأرضي ؟!!
قول لنفسي بعد هذه المعلومات العلمية بأننا لم نتوصّل إلى هذه الإكتشافات عن الكون Cosmos إلا منذ سنوات قريبة فكيف تحسبها ” التوراة” أن الأرض خلقها الرب في ستة أيام ثم استراح في اليوم السابع .. كيف نصدق الذين كتبوا التوراة منذ بضعة آلاف من السنين مع أن الإنفجار الكبير الذي نشر الكون الرحب قد وقع علميا منذ آلاف المليارات من السنين ..
من نحن البشر بالنسبة لهذا الكون البالغ في ضخامته حدودا ” يحيط بها عقلنا لكثرتها و ضخامتها والمسافات الهائلة التي تفصل بينها ؟
من نحن الذين نولد و نموت في عمر قصيرجدا بالنسبة لهذا الكون الخارق لعقولنا و طاقتنا ؟ هنا لا بد أن يخطر على البال مثل هذا السؤال ؟ ما دمنا عاجزين عن فهم أسرار خلق هذا الكون فكيف ندّعي أننا نعرف كل شيء عنه ؟ و إذا كنا عاجزين كبشر أن ندرك جوابا حقيقيا مقنعا فليس في إستطاعتنا إذن أن نتطاول على شرح أسرار الكون و أبعاده و ما هو فعلا المشروع الذي دفع الخالق إلى خلق هذا الكون .. في وسعنا فقط أن ندرك ما هو المفيد أو الضار بالنسبة لنا كبشر يعيشون على كوكب يخضع لقوانين خاصة به لا نعرفها على وجه الدقه العلمية النهائية إذن نحن ملزمون بأن نصنع القوانين التي تتناسب مع مجتمعاتنا الحريصة على الحفاظ على ظاهرة الحياة و أن وجودنا يحتاج إلى أن نتضامن معا في سبيل هذا الوجود المشترك إجتماعيا و إقتصاديا و أخلاقيا و أن يظل وجودا عادلا في هذه الحقول الإجتماعية و الأخلاقية إنسجاما مع المشروع الكوني الذي أنعم علينا كمخلوقات عاملة أن نحافظ على هذه النعمة بأن نتجنب إستخدام العنف الذي يهدد إستخدامه بحروب نووية تدمرنا جميعا و كأننا بذلك نفسد مشروع الخلق الإلهي الذي وهبنا نعمة الحياة المشتركة و لم نحسن الإحتفاظ بها ..