الرحلة التي إنتهت
الرحلة التي إنتهت ها أنذا في الثانية والتسعين أواجه الشيخوخة و ما أدراك ما هي الشيخوخة ؟!
يأوي العجوز إلى فراشه مبكراً ذلك لأنه لم يعد يقوى على السهر طويلاً، وهو الذي كان من أشهر السهّارين، فإذا ما استقر في فراشه إستسلم لأفكاره الموجعة وهو يستعيد مباهج شبابه قبل أن يغرق في النوم العامر بأحلام الماضي الذي غداً زمناً كامل البهاء وهو لم يكن حقاً كذلك.
يستيقظ هذا “الشيخ” مبكراً و يغادر فراشه أخيراً كي يغسل وجهه ويديه و ينضم إلى من إجتمع حول مائدة الترويقة حيث لا يلبث أن يشعربالشبع بعد لقيمات معدودة و لكنه يبقى جالساً إلى المائدة إلى أن ينهض الجميع إلى مدارسهم و أعمالهم إلا هو إذ ليس عليه سوى أن يستقر في إحدى الزوايا فهو بلا عمل يذكر ولا يزور أحد ولا يزار إلا نادراً و ليس أمامه سوى اللجوء إلى كتاب قديم مقروء يقلب صفحاته ويراجع بعض سطوره وسرعان ما يغلقه وقد غلبه السأم فيزيح عنه الكتاب ، ويلجأ إلى جهاز التلفزيون إذا ما كان التيار الكهربائي شغالاً و إلا راوده النعاس من جديد .
هكذا ينقضي نهاره وليله وهو أسير بيته وشيخوخته وهو الذي كان أنشط أفراد الأسرة أيام زمان …فماذا تبقى إذن لهذا العجوز من مسرات الحياة سوى إجترار الذكريات. لقد إنتهى كل شي بالنسبة له إلا الموت فقد تباطأ حضوره ، غير أن ما تبقى من الحياة لم يعد حياة بمعناها الحقيقي ، بل كأنها لم تكن سوى مرحلة إنتظار الرحيل إلى العالم الآخر…
هذا هو الآن ” أنا “!. أنا المدرس النشيط ، والكاتب المرموق والشاعر المبدع والمفكر التقدمي المعارض لنظام الحكم الإستبدادي وما يطرأ عن ذلك من متاعب… لم يبقى له الآن حقا سوى إنتظار الرحيل…
ليس الموت ما يمّضه الآن بقدر ما يؤلمه عجزه عن المشاركة بأي نشاط …لقد صار خارج اللعبة وما عليه سوى أن يستعد للرحيل… إنهم ليسوا بحاجة إليه الأن…