أنتوني بلينكين يُعارض التّهجير ولكنّه يدعم حرب الإبادة الجماعيّة.
عبد الباري عطوان
تفضّل علينا أنتوني بلينكين وزير الخارجيّة الأمريكي بقوله إنّه يعارض التّهجير القسري للاجئين الفِلسطينيين في قِطاع غزّة أثناء لقائه بـ”الرئيس” الفِلسطيني محمود عبّاس في رام الله. لسببٍ بسيط لأنّه يريد بقاءهم في القِطاع حتى يقضي عليهم بنيامين نتنياهو كلّيًّا في حرب الإبادة والتّطهير العِرقي التي تشنّها طائراته الحربيّة وصواريخه الأمريكيّة الصّنع منذ أكثر من شهر.
ففي مؤتمره الصّحافي الذي عقده أنتوني بلينكين يوم أمس مع نظيره الأردني أيمن الصفدي في ختامِ المؤتمر الذي ترأسه في عمّان بحضور خمسة وزراء خارجيّة عرب. استدعاهم على عجل، ولبّوا الأوامِر مِثل التلاميذ غير النّجباء. قال بلينكن إنّه “يعارض” بقوّة وقف إطلاق النّار في القِطاع. “لأنّه سيؤدّي إلى السّماح لحركة “حماس” بإعادة تجميع صفوفها. وتِكرار الهجوم على إسرائيل”
أنتوني بلينكين يعارض التّهجير ولكنّه يدعم حرب الإبادة الجماعيّة.
بلينكين يكذب في الحالين. الأولى مسألة التهجير لأبناء القِطاع إلى سيناء. وربّما أهل الضفّة الغربيّة إلى الأردن أيضًا. والثانية وقف إطلاق النار في القِطاع. ومِن المؤسِف أنّه ينجح دائمًا في إيجاد آذان عربيّة صاغية ومصدّقة لأكاذيبه هذه. ومنهم وزراء الخارجيّة الذين هرولوا للقائه في العاصمة الأردنيّة.
فمن أفشل مشروع التهجير ليس المعارضة الأمريكيّة له. وإنما لفشلها في تسويقه إلى الدولة المصريّة أولًا.رغم المغريات المادية الكبيرة التي تم عرضها أثناء زيارته. أيّ بلينكن، للقاهرة في إطار جولته العربية الأولى. ولأنّ أبناء القطاع فضلوا الشّهادة على أرض بلاده على مغادرتها، لتمسكهم بكل حبّة تراب فيها. كما ولأنّهم لا يريدون العودة إلى الخيام مرةً أُخرى خارجها بالنّظر إلى ما تعرضوا له من إذلال وإهانات من بعض دول الجوار التي لجأوا إليها. ما زالت مستمرة حتى الآن.
أمّا من أفشل مبادرته بوقف إطلاق النّار، سواءً لأسبابٍ إنسانيّة في البِداية. فكانَ نِتنياهو الذي عامل بلينكن، كموظّف صغير في وزارة الخارجيّة الإسرائيليّة. ورفض كل حديث عن هدنة إنسانيّة أو عسكريّة أيضا. كما ووجّه صفعة قويّة له ورئيسه بايدن عندما قال علانيّة “لا وقف لإطلاق النّار إنسانيًّا أو عسكريًّا إلّا بعد عودة جميع الرّهائن أو (الأسرى) الإسرائيليين. والقضاء على حركة “حماس” قضاءً مبرَمًا، وكان لافتًا أن بلينكن أطاعَ “معلّمه” نِتنياهو في هذا المِلف وتبنّاه ونقله إلى وزراء الخارجيّة العرب الذين فرشوا له السجّاد الأحمر في العاصمة الأردنيّة. وجلسوا مستَمعين مِثل التّلاميذ في حضرته.
مشروع التّهجير
بعد أن أفشل الشّعب الفِلسطيني وبمقاومته وصلابته وتمسّكه بثوابته مشروع التّهجير، سيفشل حتمًا المشروع الثاني الذي يحمله بلينكن في جعبته في جولته العربيّة الثّانية. التي اختتمها اليوم بالاجتِماع مع “الرئيس” عبّاس في المقاطعة في رام الله. ونحن نتحدّث هنا عن “أمْرٍ” وليس اقتِراح، تولّي السّلطة وأجهزة أمنها الحكم في قِطاع غزّة.
بلينكن قال إن السّلطة ورئيسها وأركانها أبدوا ترحيبًا بهذا “الاقتِراح” دون شروط. ولكن وكالة الأنباء الفلسطينيّة “وفا” التّابعة للسّلطة، “رشّت على الموت سكر” عندما قدّمت روايةً مختلفةً حيث قالت. “إن الرئيس عبّاس أكّد لوزير الخارجيّة الأمريكي استِعداده لتحمّل المسؤوليّة كاملة في القِطاع في إطارِ حلٍّ سياسيٍّ شاملٍ على كل الضفّة الغربيّة بما فيها القدس وقطاع غزّة”أيضا.
نحن نعرف جيّدًا أن بلينكن كاذبٌ محترف. وقلنا ذلك في بداية هذه المقالة، ولكنّنا نرجّح روايته للأسف، لأنّ رواية الرئيس عبّاس، ومثلما علّمتنا تجارب الأعوام الثّلاثين الماضية من عمر اتّفاقات أوسلو التي هندسها أنه بزّ الجميع في أكاذيبه. ألم يعلن إلغاء التّنسيق الأمني أكثر من مرّة. ألم يعلن سحب الاعتِراف بدولة الاحتِلال وإلغاء اتّفاقات أوسلو أيضا. كما، واستخدم غِطاء المجلسين الوطني والمركزي لإضفاء شرعيّة برلمانيّة على أكاذيبه هذه؟
من يحكم قِطاع غزّة هو من يقاتل غزاته. كما ويقدّم الشّهداء ودمائهم دفاعًا عنه . أمّا الذين يريدون العودة إليه على ظهر الدبّابات الأمريكيّة والإسرائيليّة أيضا. فلا مكان لهم فيه.خاصّةً أنّ الشّعب الفِلسطيني قد ذاق الأمَرّين منهم. ومن فسادهم وقمعهم، وخِيانتهم أيضا. كما وتحوّلهم وقوّاتهم الأمنيّة إلى أدوات تجسّس، وحِماية للاحتِلال ومستوطنيه أيضا.
حركة حماس
حركة “حماس” مدعومة بفصائل المقاومة الأخرى، انتزعت شرعيّة حكمها بالانتِصارات وعمّدتها بالدّم، وإذلال الاحتِلال، وإلحاق هزيمة تاريخيّة يوم السّابع من تشرين أوّل (أكتوبر) الماضي، عندما حرّرت كل بلدات ومستوطنات غِلاف غزّة، وقتلت 1400 إسرائيلي، وأصابت حواليّ أربعة آلاف آخَرين، وأسَرت حواليّ 250 من الجنود والمستوطنين، بينهم جِنرالات كِبار.
هذه الحركة التي حقّقت إنجازات إعجازيّة على قوّات الاحتِلال في الحرب البريّة ما زالت هي الحاكِم للقطاع، وقوّاتها العسكريّة لم تمس، والحاضنة الشعبيّة تلتف حولها، ولذلك فإنّ أي حديث عن بدائلٍ لها أضحوكة وموضع سخرية إذا جاء على لسان الأمريكيين أو الإسرائيليين أو أتباعهم العرب، ومعيبًا إذا جاء على لِسان سلطة لا يمتدّ حكمها إلى ساحةِ المقاطعة الخارجيّة في مدينة رام الله.