تحليلات سياسية

هل سينجح محمد يونس المنفي وعبدالحميد الدبيبة في تحقيق التوازن بين تركيا ومصر واليونان وفرنسا والجميع يعرف أن مشاعرهما ومصالحهما تميل إلى أنقرة؟  

في الساعات الَّتي وصل خلالها (الثلاثاء 13 نيسان/أبريل) رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد يونس المنفي إلى العاصمة اليونانية أثينا، التي طرد منها في كانون الأول/ديسمبر 2019 عندما كان سفيراً لبلاده فيها، كانت طائرة رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة تستعد للإقلاع من مطار أنقرة، بعد زيارة مهمة استغرقت يومين، بحث خلالها مع الرئيس  التركي رجب طيب إردوغان والمسؤولين الأتراك مجمل التفاصيل الخاصة بالعلاقات التركية – الليبية، وفي مقدمتها الشؤون العسكرية. ورافق الدبيبة 14 وزيراً بحثوا مع نظرائهم الأتراك المزيد من مجالات التعاون التي ستزعج أطراف المربع الأخرى، وهي مصر واليونان وفرنسا.

ولم يكُن واضحاً إذا ما كان الثنائي المنفي – الدبيبة سينجح في تحقيق التوازن بين أطراف هذا المربع، في الوقت الذي يعرف الجميع أن مشاعرهما ومصالحهما تميل إلى الطرف الرابع، ألا وهو تركيا، وكيفية حصول ذلك، إذ يملك رجل الأعمال الدبيبة فيها مشاريع واستثمارات عديدة، إضافة إلى المعلومات التي تحدثت عن ميوله الإخوانية خلال انتخابه رئيساً للوزراء في اجتماع جنيف في 5 شباط/فبراير الماضي.

أراد الدبيبة أن يبعد عن نفسه هذه الاتهامات، فقام بأول زيارة خارجية له إلى الجارة مصر في 18 شباط/فبراير، وهو يعرف حجم العداء بين إردوغان والسيسي. ولم تكتفِ طرابلس بهذا التحرك، فاختار المنفي بدوره فرنسا كأول دولة أجنبية يزورها في 23 شباط/فبراير، وهو يدري أيضاً حجم العداء بين إردوغان وكل من ماكرون والسيسي الذي زاره في طريق عودته إلى بلاده من باريس.

ورغم أن المنفي زار أنقرة في 26 آذار/مارس والتقى إردوغان، لم تتأخر اليونان في الرد على هذه الزيارة، فوصل رئيس الوزراء اليوناني ميتسوتاكيس إلى طرابلس (6 نيسان)، في زيارة خاطفة تحمل في طياتها الكثير من المعاني، فقد التقى الدبيبة، ومن بعده المنفي، الذي طردته الحكومة اليونانية كرد فعل على الاتفاقية التي وقعها فائز السراج مع إردوغان في ما يتعلق بترسيم الحدود البحرية بين ليبيا وتركيا.

وكانت هذه الاتفاقية سبباً للكثير من المشاكل بين دول المربع، إذ وقعت أثينا على اتفاقية بحرية مع إيطاليا في 9 حزيران/يونيو 2020، وحرضت الاتحاد الأوروبي ودول المنطقة على أنقرة. ويفسر ذلك زيارة رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي وميتسوتاكيس إلى طرابلس في اليوم نفسه (6 نيسان)، إذ عقدا اجتماعاً ثنائياً بعد مفاوضاتهما مع المسؤولين الليبيين، وبحثا إمكانيات التنسيق والتعاون اليوناني – الإيطالي في ليبيا، مع الإشارة إلى أن إيطاليا، وخلافاً لمصر واليونان وفرنسا، لم تكن داخل المربع، لأن علاقاتها مع أنقرة كانت شبه إيجابية، إلى أن وصف دراغي الرئيس إردوغان الأسبوع الماضي بالديكتاتوري، مع التذكير أن الدولة العثمانية كانت قد سلمت ليبيا لإيطاليا في العام 1911، وكانت الأخيرة، ومعها فرنسا، في مقدّمة الدول التي قصفت ليبيا بعد قرار مجلس الأمن الدولي في شباط/فبراير 2011.

يرى المراقبون في الدعم الفرنسي واليوناني، وربما الأوروبي والأميركي، للقاهرة في ليبيا سبباً كافياً لتودد الرئيس إردوغان إلى الرئيس السيسي، على الرغم من المعلومات التي تتحدث عن تأثير تركي أكبر في ليبيا، من خلال التواجد العسكري والاستخباراتي الواسع فيها، إضافة إلى العلاقات مع مجمل الفصائل المسلحة.

ويستبعد الكثيرون للرئيس إردوغان أن يتخلى عنها إلا في إطار صفقة شاملة تضمن لتركيا تواجدها الاستراتيجي (عسكرياً وعقائدياً واقتصادياً) في ليبيا، وعبرها في شرق الأبيض المتوسط، حيث العدوّان اليونان وقبرص المدعومان من باريس و”إسرائيل”. وسيدفع ذلك إردوغان إلى التأني والرهان على عامل الزمن، إلى أن تتضح صورة المساومات الإقليمية والدولية الحساسة، قبل أن يقرر سحب القوات التركية والمرتزقة السوريين من ليبيا.

ويراهن آخرون أيضاً على عامل الزمن، من دون أن يكون واضحاً هل سينجح الثنائي المنفي – الدبيبة في إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة، ما دام الموضوع يهم تركيا قبل أي دولة أخرى؟ وكيف؟ وجاءت مشاركة المشير خليفة حفتر الأحد 11 نيسان/أبريل في فعالية عسكرية، وقوله: “لن نسمح لأي كان المساس بالجيش أو التلاعب به”، ليعكسا صعوبة عملية توحيد المؤسسات الليبية، وهو ما تحدث عنه الرئيس إردوغان بعد لقائه الدبيبة، إذ قال: “إن تركيا تدعم إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية الليبية”، في إشارة منه إلى التخلص من المشير حفتر المدعوم من مصر والإمارات وروسيا؛ المتهمة بإرسال مرتزقة “واغنر” إلى ليبيا.

قد يكون ذلك من بين المواضيع التي بحثها الوزير لافروف مع الرئيس السيسي والمسؤولين المصريين في القاهرة (الإثنين قبل أن يتوجه إلى أثينا الثلاثاء)، إلى جانب كل الملفات الإقليمية الحساسة، وفي مقدمتها التوتر بين مصر وإثيوبيا، إضافة إلى الوضع في سوريا واليمن ومناطق أخرى.

وجاء الاتصال الهاتفي الذي أجراه الأمير القطري تميم فجأة مع الرئيس السيسي (الإثنين) بحجة حلول شهر رمضان، ليثبت سرعة التحركات الإقليمية، مع التذكير أن الدوحة تؤدي دور الوسيط بين القاهرة وأنقرة، على الرغم من البرود في الرد المصري على مساعي المصالحة التركية، إذ أكد الجانب المصري “ضرورة أن توقف تركيا كل أنواع الدعم للإخوان المسلمين في مصر والمجموعات المسلحة في ليبيا، وأن تسحب قواتها من ليبيا وسوريا والعراق والصومال، كشرط مسبق لإعادة العلاقات إلى وضعها الطبيعي”، وهو ما لن يكون سهلاً في ظل استمرار سياسات الرئيس إردوغان التقليدية، التي يبدو أنها لن تتغير في ليبيا وسوريا والعراق وشرق الأبيض المتوسط، أي قبرص، بانعكاسات ذلك على العلاقة مع الجارة اليونان.

وكانت اليونان وقعت في آب/أغسطس العام الماضي على اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع مصر، كرد على الاتفاقية التركية- الليبية التي كانت، وما زالت، السبب في كل التطورات الأخيرة في ليبيا خلال العامين الماضيين. وبحث وزير الخارجية اليوناني نيكوس داندياس مصيرها (الإثنين) في بنغازي مع نائب رئيس الوزراء حسين القطراني ورئيس البرلمان عقيلة صالح، إذ أشار إلى عدم مصادقة البرلمان الليبي على هذه الاتفاقية، وقال: “إن اليونان مستعدة للتوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا”.

كل ذلك بغياب صوت الإمارات والسعودية اللتين دعمتا مصر في تحديها للدور التركي في ليبيا، إذ زار الدبيبة الأسبوع الماضي كلاً من الرياض وأبو ظبي والكويت، بعد أن أكد في أكثر من مناسبة التزام طرابلس بالاتفاقيات البحرية والعسكرية الموقعة مع تركيا، وهو ما سيضع الثنائي المنفي – الدبيبة أمام تحديات جدية في تحركاتهما الأخيرة التي يرى فيها البعض تكتيكاً ذكياً يدعم موقف إردوغان، ليس في ليبيا فحسب، بل في مجمل حساباته الإقليمية أيضاً، ما دامت مهمة الثنائي المذكور ستنتهي بعد الانتخابات المقررة في 24 كانون الأول/ديسمبر القادم، بعد أن منعهما اتفاق جنيف من الترشح إلى أيّ منصب سياسي في الانتخابات المذكورة، فيما تراهن أوساط أخرى على الموقف الأميركي المحتمل الذي قد يغدو أكثر وضوحاً مع أول اتصال أميركي مع المسؤولين الليبيين، مع المعلومات التي تتوقع زيارة مفاجئة لوزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى طرابلس للقاء الثنائي الدبيبة – المنفي. بدورها، تراقب برلين تحركاتهما مع أو ضد أي طرف من أطراف المربع المتداخل.

ويبدو واضحاً أن حل الأزمة الليبية لن يكون سهلاً من دون اتفاق أطرافه الأربعة. وباختلافها، ستبقى سبباً لكثير من الأزمات المعقدة إقليمياً ودولياً، وخصوصاً مع تعقيدات الوضع بين مصر وإثيوبيا، والمخاطر المحتملة للتوتر في البحر الأسود، والاستفزازات الإسرائيلية ضد إيران. ويعرف الجميع أنَّ تركيا تؤدي دوراً مباشراً أو غير مباشر فيها جميعاً، وهو ما يفسر اتهامات حركة “النهضة” المقربة من إردوغان للرئيس قيس سعيد الذي زار مصر والتقى الرئيس السيسي.

ويرى آخرون في القرار الروسي المفاجئ (عندما كان لافروف في القاهرة) بإيقاف حركة السياحة الروسية إلى تركيا (زارها 6.5 مليون روسي في العام 2019) بعد شهر تقريباً من عودتها مع مصر، رسالة فتور جديدة من موسكو إلى أنقرة (كما هو الحال في أوكرانيا والبحر الأسود) بعد سقوط كل الرهانات الأخرى في سوريا، وخصوصاً إدلب!

 

 

الميادين.نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى