أيها المثقفون اخالفوا ولا تتحدوا
أيها المثقفون اخالفوا ولا تتحدوا .. الأصل في الإبداع هو الاختلاف وعدم الخضوع إلى المساطر النقابية والضوابط السياسية لأن مأسسة العمل الثقافي من شأنها أن تضر ب”العمل الثقافي” وتحشره في “بيت الطاعة”.
لا يخلو التاريخ القديم والحديث من تجمعات ثقافية وفنية، لكن التسميات لاحقة وليست سابقة على طريقة إحضار العربة قبل وجود الخيل.
الرابطة القلمية مثلا، والتي أنشأها أدباء المهجر في القارة الأميركية مطلع عشرينات القرن الماضي، كان هدفها ربط الصلات وتعزيز وحماية العربية من الاندثار، لكن لا شيء يجمع بين أعضائها غير الاغتراب، فلا وحدة في الأسلوب ولا في الموضوع.
كذلك الأمر بالنسبة لمنظمة اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية كنوع من الاصطفاف الجغرافي على خلفية سياسية تناقض وتواجه كتاب أوروبا وأميركا الشمالية الذين بدورهم، لا يلتقون في أي شيء.. وربما بسبب ذلك لم يبادر هؤلاء إلى تأسيس ما يشبه الرابطة أو الاتحاد.
وقس على ذلك لدى كافة اتحادات الكتاب والفنانين في التاريخ الحديث، أما أن يبادر جماعة من الكتاب والفنانين إلى تأسيس رابطة في بلادهم دون أهداف واضحة وصريحة فتلك ضبابية من شأنها أن تشوش على المشهد الثقافي وتلهي أصحابها عن العمل الإبداعي فينشغلون بالمهاترات السياسية بدل الاهتمام بالذي وجدوا لأجله وهو الإبداع ولا شيء غير الإبداع.
مثل هذه المبادرات لا تدخل في إطار النشاط الإبداعي ولا العمل الجمعياتي، ولا حتى التعددية النقابية، وإنما نوع من “لزوم ما لا يلزم” تعبير عن ضرب من الفراغ في ظل غياب الإنتاج الفني والأدبي وحضور ما يمكن تسميته بالأزمة الإبداعية.
لا يختلف اثنان في أن الحريات هي الغنيمة الوحيدة في العشرية الماضية بل أن المشكلة صارت تتمثل في الحضور الفوضوي للحريات إلى حد التخمة واختلاط الحابل بالنابل، مما يطرح سؤال علاقة الإبداع بالأزمات على مر العصور.
الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، ومنذ تأسيسه في خمسينات القرن الماضي، يعاني الترهل والتشرذم ويديره جماعة من ضعيفي الموهبة. تصدر عنه نشريات بائسة وهو في ضحالته وعدم فاعلية قراراته يشبه أي مؤسسة من مؤسسات الجامعة العربية.
وزاد على هذه الضحالة وجود اتحاد مواز هو ما يعرف بالتحاد الكتاب العرب في دمشق الذي تأسس أواخر ستينات القرن الماضي على يد أسماء وازنة كالروائي حنا مينة وغيره، لكنه تحول في التسعينات إلى محاكم تفتيش تلاحق مجموعة من المبدعين باسم محاربة التطبيع.
وانتصب الثنائي علي عقلة عرسان من سوريا وفخري قعوار من الأردن على رأس هذه المحكمة مما أثار الفزع في نفوس الكتاب وذلك للدور التأليبي والتحريضي الذي يقوم به هؤلاء الأوصياء بالنيابة عن القضية الفلسطينية.
وكذلك الأمر بالنسبة للنقابات الفنية في العالم العربي، والتي يقوم عليها فنانون في أغلبهم من الدرجة الثانية والثالثة وقد صب هؤلاء جل اهتمامهم على معاقبة زملائهم تحت ذرائع واهية وغير مقنعة لكن غالبيتها مسيسة كما كان يفعل الممثل السوري زهير رمضان بكل فنان لا يعلن ولاءه للنظام السياسي.
الأمثلة كثيرة على هذا الترهل في التجمعات الأدبية والفنية على امتداد العالم العربي، لذلك صار يطرح السؤال الملح: أليس من الجدير الاستغناء عنها؟ نعم، ربما يكون ذلك أفضل وأنفع.
الفن والعمل الإداري خطان متوازيان لا يلتقيان على ما يبدو، ذلك أن المبدع الذي ينصب طموحه على المناصب الإدارية يناقض روح الإبداع المتمثلة في التغريد خارج السرب.
أن تدعو المبدعين إلى التوحد داخل إطار تنظيمي وتحت سقف مؤسسة إدارية أمر يدعو إلى السخرية، ذلك أن الأجدر دعوتهم إلى الاختلاف الذي من شأنه أن يخصب الحقل الإبداعي ويوسّع الرؤية الإنسانية للكون.
التجربة أثبتت أن غالب التجمعات النقابية وغيرها للفنانين والمثقفين أثبتت فشلها وعدم جدواها، ذلك أن المبدع عصي عن الترويض والانضواء تحت لون موحد. وهذا ينطبق على مثل هذه الاتحادات في العالم بأسره، لكن الأدبية والمادية مكفولة بطبيعتها في الدول المتقدمة بصورة آلية من منطلق مواطني،، وذلك على عكس الدول العربية.
يبدو أن إنشاء مثل هذه الرابطات والاتحادات في العالم العربي غير مجدية بحكم الآليات التي تتحرك ضمنها والذهنيات السائدة والمتحكمة في المشهد الثقافي.