(التكتك) السياسي في تونس
أطلّت علينا حكومة الترويكا السياسية في تونس ب(ترويكا) ميكانيكيّة لحلّ أزمات الاختناق المروري والاجتماعي والاقتصادي على حدّ زعمها ,ألا وهي (التكتك) .
هذا المصطلح الجديد الذي أضيف إلى قاموس ما بعد الثورة هو عبارة عن سيّارة أو شبه سيّارة ,ذات ثلاث عجلات مثل ألعاب الأطفال ومركبات المعوقين ,غريبة الملامح كتلك التي نشاهدها في أسواق بومباي وكراتشي ,وهي ذات منظر منفّر وناشز في شوارع العاصمة التي طالما تباهت بأناقتها ونظافتها منذ حكم الزعيم بورقيبة المعروف بانحيازه للجمال والذائقة الرفيعة.
يعمل التكتك الميكانيكي والسياسي الحاكم في تونس على نقل الأمتعة الحزبيّة والركّاب المضلّلين تحت ضجيج إعلامي وتلوّث سمعي وبصري من رصيف إلى آخر ,سعيا منه لإيهام المواطن (المسافر بلا حراك) بأنّ دواليب البلاد تدور .
نعم تدور الدواليب والدوائر كما يشتهي أصحابها…ولكن في أيّ اتجاه ؟ ,أليس التوقّف أصلح من العودة إلى الخلف بالنسبة للسائق النهضوي ومعاونيه من حزبي (المؤتمر) و(التكتّل) .
(البنشرة) السياسيّة في تونس واضحة للقاسي والداني…إلاّ لأصحاب الحكومة (التكتك) في قمرة القيادة التي تشبه سيارات مدينة ألعاب الأطفال …الأطفال الذين يدورون في ذات الحلبة الواحدة ,يثيرون الضجيج ,يكبحون الفرامل ,يشغّلون الأضواء الكاشفة والغمّازة ,يطلقون زمامير التنبيه ,يتصايحون….وكلّ ذلك تحت أعين الأهل وابتسامات مرافقيهم من أولياء الأمر الذين يشترون لهم(فيش) اللعب.
قريبا ستغلق مدينة الألعاب الانتخابيّة أبوابها على أمل انتظار لاعبين جدد, أكثر قدرة على الإثارة والإمتاع ,لكنّ الكثير من المضامير والحلبات قد وقع حجزها من طرف أوّل الممتطين …ولم يبقوا إلاّ على (النطيحة والعرجاء وما ترك السبع) كما تقول العرب, وذلك بفضل كميّة(الفيش) مسبقة الدفع التي منّ بها عليهم أولياء النعمة وغيرهم من (الشركات الراعية والمساهمة والمغفلة).
التخبّط يبدو واضحا في حكومة يتقدّمها دولاب كبير يوجّهه مقود تتشبّث به يدان ترتعشان ,ثم يليه دولابان صغيران يتبعان الدولاب الأوّل في طريق ترابيّة مليئة بالحفر والمطبّات ,يظنها السائق (أوتوسترادا) سريعة وخالية من إشارات المرور…وبلا نهاية,ذلك أنّ متعة القيادة و(التشفيط) قد زيّنت له بأنّ (تكتكه) سيّارة رباعيّة الدفع وعسيرة على الانزلاقات والانقلابات.
أمّا الأنكى من ذلك كلّه فهو أنّ ركّاب (تكتك) حزب النهضة في تونس قد بدؤوا بالنزول منذ انطلاق الرحلة لأنها تسير إلى غير وجهتهم ,على عكس ما أعلنت عنه أبواق المحطّة وجاء في قوائم الانطلاق والمغادرة …ثمّ أنّ المواعيد لم تكن بتوقيت تونس المحلّي ولا حتى العالمي.
تعدّدت الروايات في توصيف التكتك أو هذه الدابّة المعدنيّة العجيبة ,منهم من يقول أنها لا تسير إلاّ إلى الخلف منهم من يؤكّد أنها لا تحمل إلاّ شخصا واحدا الذي هو السائق ومنهم من يقول ثلاثة ,منهم من يصرّح بأنها لا تحمل إلاّ ما خفّ حمله وغلا ثمنه ومنهم من يقول أنها صالحة لنقل رزم الشكاوي والوعود والطلبات من دائرة حكوميّة إلى أخرى .
منهم من يصرّح بأنّها متعدّدة الاستعمالات وكثيرة المزايا ,كأن تنفث دخانها في الشوارع فتجبر المواطن على ملازمة بيته في حالات الطوارئ أو الهجرة إلى ما وراء البحر كي ينفذ بجلده ورئتيه وما تبقّى من كرامته.
منهم من يقول بأنّ(تكتكنا) العجيب يقتصد في الطاقة ويحافظ على الهويّة فيسير بالأدعية لا بالوقود ويجعلنا نختلف ونتميّز عن محيطنا الإقليمي والمتوسّطي فيساهم في جلب الزائر الفضولي ومنافسة سياحة أقاليم الهند والباكستان وافغانستان وطورة بورة والبنجاب والفيتنام بنكهة تونسية تعبق بعطر (ثورة الياسمين).
ماذا حلّ بمدن كان يضرب بها المثل عربيا وإقليميا في التنظيم والنظافة والجمال ؟! ,هل هي (ضربة عين)أصابتها بعد ربيع الكرامة والحريّة ,هل هي غيمة أم انتكاسة أم هاوية..؟
بات واضحا للعيان أنّ مشروع (التكتك) الذي أعلنته الحكومة كحلّ لمشاكل تبدأ بالبطالة وتنتهي عند انسداد الأفق الحضاري ,هو مجرّد (تكتيك سياسي ) عسير الهضم وبليد الذائقة ,يحاول تحويل وجهات الناس عن قضايا الساعة وإخراج (تكتك الفئة الحاكمة) من وحل التخبّطات والتجاذبات التي تؤكّد عجزها يوما بعد يوم.
ما زاد في (تكتكنا) (تكتكة) هو بداية ظهور(سياسة مسلّحة)و(سلاح مسيّس) يتسرّب من خلف حدود طويلة ومتشعّبة يصعب ضبطها ,ممّا يهدّد أمن بلاد لم يشاهد شعبها السلاح إلاّ فوق أكتاف الجيش والشرطة النظاميين وعلى شاشات الأخبار.
هل هي محض مصادفة أن تستورد تجربة (التكتك) كوسيلة لنقل البضائع والأفراد من بلاد يباع فيها السلاح على قارعة الطريق وفي العصرنيات ,أي سوق العصر….وينقل عبر(التكتك).
*كلمة في زحام
(التكاتيك): (المتكتك)في العامية التونسية تعني الشخص الذي فقد صوابه…ولعلّها جاءت من صوت الساعة المثبّتة على الصاعق وهي تعلن اقتراب الكارثة ب:تك تك تك…..