المدلّلون في الأرض
المدلّلون ثلاث: أطفال روسيا السوفيتية, كلاب سويسرا وجنرالات العالم الثالث.
كان أطفال (المغفور له) أي الاتحاد السوفييتي يلقّبون بالقياصرة الصغار لما توفّره لهم سلطات الكرملين من رفاهية زائدة يحسدها عليهم أطفال بعض دول الغرب…. قد يبدو الأمر مستغربا … ربما كانوا يهيّوونهم للولاء المطلق, أو يكافؤونهم بدل آبائهم … أو يريحوهم قبل القهر الذي سوف يأتي….. تماما مثل خروف العيد الذي يسمّنونه قبل الذبح.
كلاب سويسرا تتزيّن أعناقها بأفخم الأطواق والسلاسل التي قد تكون من الذهب الخالص, تخصّص لها أفخم المتاجر وصالونات الحلاقة وتنعم بالحمامات المنعشة, بل ولها أطبّاء نفسانيون, حتى أنّ لها مقابر تخصّها …. فلماذا يقال في بلادنا العربية فلان عاش عيشة كلاب ومات ميتة كلاب ؟!…لو زار مطلق هذا المثل سويسرا لغيّر من قوله رأسا على عقب.
أمّا جنرالات العالم الثالث فلا يرتدون البزّة العسكرية ولا يضعون الرتب والنياشين إلاّ في المواكب الاحتفالية .
بدلاتهم العسكرية ذات القياسات الكبيرة نظيفة ومكويّة ومن أفخم أنواع الأقمشة المستوردة من بلاد (العدو المفترض), يسكنون فيلاتهم و(يناوبون ) في مزارعهم, ترى وجوههم حمراء ومتورّدة من كثرة الرفاهية, يحيطون أنفسهم بكتائب من العساكر الذين وجدوا لخدمته والسهر على احتياجات حرمه المصون … وكأنما هي الوطن.
مهامهم العسكرية الوحيدة هي الانقلابات العسكرية وقمع شعوبهم….. وحدود الوطن بالنسبة إليهم هي حدود ممتلكاتهم من مزارع وبساتين … وكل ما يقع بعد أسوارها فهو (جبهة).
الفساد ابن غير شرعي لزواج غير شرعي بين السلطة والمال, وشعوب العالم الثالث كانت ولا تزال مالا داشرا يعلّم النواطير المزعومة على السرقة فتمسي الشعوب هي الثعالب التي يجب (كحشها) وإبعادها عن كروم الوطن.
لكنّ المدلّلين, من يدلّلهم ؟ على اعتبار أنّ الكلمة اسم مفعول لا اسم فاعل… فأطفال روسيا السوفييتية تدللهم سلطات بلادهم لأكثر من غاية معلومة ومجهولة، وكلاب سويسرا يدلّلها مالكوها فتجزي لهم بعض الخدمات كأن تقود المكفوفين وكبار السنّ وتطرد عنهم الضجر وتسلّي وحشتهم فكان من واجبهم مجازاتها من حرّ مالهم, فما لنا ومالهم…… ولكن, من يدلّل جنرالات العالم الثالث والبلدان المتخلّفة يا ترى؟!
إنهم حتما يدللون أنفسهم بأنفسهم ولكن دون أن يمدّوا أيديهم على جيوبهم بل إلى جيوب شعوبهم وأوطانهم التي صارت تذود عنهم بدل أن يذودوا عنها .
(أكل ومرعى وقلّة صنعة) , عبارة بليغة أطلقها أجدادنا على فئة المتواكلين من المتّكئين على جهد الآخرين دون انتاج, هذا ما ينطبق أيضا على الجنرالات (المدنيين ) في عالمنا العربي .
الفساد قديم قدم المال والسلطة وطمع الذات البشرية …. الذات البشرية التي يمكن أيضا أن تربّى على قيم الأمانة والشرف والإخلاص, وهذا هو السؤال … هل يمكن أن يصمد الشريف أمام قطيع من اللصوص؟ هل تستمر العملة الصحيحة مع العملة الرديئة.؟
أخطر ما في حكم الجنرالات –إذا استثنينا ديغول- أنهم يجمعون بين المال والسياسة والعسك, ناهيك عن السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وربما ينشط بعضهم في الرابعة (أي في الصحافة) … وهكذا يجمعون المجد من كل أطرافه .. فأين منهم أطفال السوفييت وكلاب سويسرا.
أجمل ما فعلته جمهورية كوستاريكا أنها أقدمت على إلغاء الخدمة العسكرية ووزارة الدفاع لتحوّل مخصّصاتها وميزانيتها بالكامل إلى الثقافة والصحة والتعليم وشؤون تنموية أخرى, ليت دولا كثيرة حذت حذوها فأراحت واستراحت.
جنرالات العالم الثالث يخرجون من ثكناتهم ويغادرون جبهاتهم ليدخلوا إليها شعوبهم ويضعونهم في جبهة الفاقة والبؤس, تحت خطّ نار الفقر .
كلما ارتفعت رتبهم كبرت كروشهم واكتنزت جيوبهم وابتعدوا عمّا جاؤوا لأجله, يتدخّلون في كل شيئ ماعدا مهماتهم .
كلمة في الزحمة:
كان يمتشق سيفا بتّارا يثقل خاصرته دون فائدة, إلى ان لمعت في ذهنه فكرة, قصد الحدّاد وطلب أن يصنع له منه قيودا لرعيته وخلاخيل لعشيقاته.