المظليون الجدد
منذ فترة ليست بالبعيدة، أقدم بعض (المظليين الجدد) من متشدّدي التيار السلفي في مدينة تونس القديمة على اقتحام فضاء مسرحيّ خاص وأعلنوه مسجداً للصلاة بذريعة أنّ السجود والركوع وتوحيد الخالق أولى وأهمّ من (فنّ التشخيص والتهريج والتفرّج على من يتلاعبون بالعقل والقلب).
حدث هذا على مرمى عيون وزارة الثقافة والجهات الأمنيّة التي اكتفت بالتنديد والاستياء ولم تحرّك في الأمر ساكناً …ثمّ علّقت بقولها: (سننظر في الأمر ) ….
أمور كثيرة تحدث تحت جنح النهار المتآمر مع الظلام ولم ينظر فيها ولا يستمع إليها في تونس، وكأنّ القضيّة تقيّد دوماً (ضدّ مجهول) حين تتعلّق بالفن والإبداع… وضدّ معلوم، ساعة يتعلّق الأمر بالرغبة في إقصاء وإسكات أصوات الفن والحريّة.
هذه المؤامرة التي تحاك ضدّ الإبداع و الشعب والحياة، نتلمّسها كلّ صباح ونشاهدها في نظرات الملتحين والعبوسين والحاقدين… والراغبين في محو مئات السنين، بل آلافها من الحضارة والتسامح والثقافة.
دخل هؤلاء المؤمنون (فجأة) عبر الأسطح التي تسكنها الحمائم ومن خلال السلالم التي يتسلّقها البناة، والشبابيك التي يدخل منها الهواء ويعرّش فيها الياسمين والريحان … خلعوا الأبواب التي تفتح لجمهور البهجة والسلام، بدّلوا الكراسي بالحصائر والخشبات الصادقة بالمنابر الكاذبة … لم يكبّروا باسم الله، بل كبّروا باسم الحقد والكراهية ومعاداة الجمال .
لا شكّ أنّ مبدع الكون يتفرّج من عليائه ويعدهم ببئس المصير …أمّا المتحدّثون باسمه زوراً فيظنون أنهم يعملون بشريعته ويطهّرون الأرض من المارقين والشياطين .كان الفنانون والمبدعون أشبه بمن أسقط في يده بعد هذه الصفعة التي قسمت أهالي الحارة بين رافض ومؤيّد …وقد بدأت الفتنة تطلّ برأسها وتفعل فعلها بعد وئام طويل.
ذهبت إلى مكان (الإنزال)، حاورت الخشبة المتفحّمة وجدران المسرح التي كانت بأحفاد (سوفكلوس) و(شكسبير) و(موليير) .
لم أقطع تذكرة، لكنّي دخلت، وصلّيت وراء إمام يتحمّل مسؤوليته وزره أمام خالقه، ثمّ همست للملائكة التي على يميني وتلك التي على شمالي بعد انتهاء الصلاة : (بلّغوا الخالق، أنّي لست شاهد زور وأن لا يأخذنا بما فعل السفهاء منّا … وأنّي إذ نويت الصلاة هنا فإنّي لا أنحني للعاصفة وإنّما لمن خلق الجمال وأحبّه فسكن كل مكان أولينا وجوهنا نحوه ).
الصلاة طهارة الروح وتطهيرها … كذلك المسرح: فنّ التطهّر والاقتراب من الجمال المطلق …. فاستووا يرحمكم الله بين متديّن وعلمانيّ ومسرحيّ وشاعر وصوفيّ…
من لم يكن مؤمناً بخالق الجمال فلا يدخلنّ إلى المسرح …وكذلك إلى المسجد.