شرفات

دمشق .. هذه المدينة الغريبة !

عماد نداف

الساعة الخامسة صباحا في أول أيام عيد الفطر السعيد، كانت السماء تمطر بغزارة، وأنا لم أحمل مظلة واقية في حياتي أبداً، مشيت تحت المطر، أحلم بحمام للروح ، فغرقت ثيابي بالماء، ورفرفت فوق رأسي عصافير جائعة.

كنت أرقب المدينة وقد ودعت الشهر الكريم، فإذا جلبة غريبة تعم فجرها ، فالمدينة  تغص بحركة كبيرة للسيارات إلى الدرجة التي خيل إلي أن السير متوقف لسبب ما، وفي الطرقات، كان العشرات مثلي يمشون تحت المطر ويتحدثون بأصوات عالية وبسعادة واضحة، وعلى مقربة منهم كان النباشون يجمعون آخر مارماه الناس من نفاياتهم في الحاويات العامة.

وصلت إلى ساحة المطاعم في أحد أحياء دمشق الراقية،رأيتها مكتظة بالسيارات والناس والمطر، وفي داخل تلك المطاعم، لا يوجد أمكنة فارغة، فقد تجمع الساهرون وأغلبهم من الفتيات يغنون بفرح غامر، وقد تباينت أزياءهن بين المحجبات والسافرات، احتفالية استثنائية بنهاية رمضان وحلول العيد ..

أطباق الطعام موزعة على الطاولات، شهية طازجة وغنية، والأراكيل تقرقر من مختلف الزوايا، مثل أمعاء الجائعين، والدخان يشبه ضباب شوارع لم يهطل فوقها المطر .

كانت السعادة تملأ الأمكنة والمطاعم والساحات في الحي الأرقى في دمشق، وعند باب المسجد تجمع الآلاف لصلاة الفجر، إلى الدرجة التي غص المسجد فيهم ولم يعد يتسع لأحد، فصلى الناس وكأنهم في حشد كبير.

حاولت إحصاء الذكور والإناث في الشوارع، وإحصاء الشباب في المساجد، وإحصاء المتسولين الذين يطوقون الأبواب من كل الجهات :

زادت نسبة الفتيات والنساء في الشوارع والمطاعم عن السبعين بالمائة ، يرتدين ألبسة مختلفة أنيقة محتشمة وغير محتشمة، كن سعيدات، يضحكن ويثرثرن، كأنهن صمن عن الضحك والثرثرة ثلاثين يوما.

زادت نسبة الشباب في المساجد عن الستين بالمائة، وأعمارهن تتراوح بين 16 سنة وأربعين وأعداد قليلة من المسنين، كانوا يصلون بخشوع ، وخرج كثير منهن قبل انتهاء خطبة العيد .

أمام المسجد عشرات المتسولين : أطفال ورجال ونساء، ومنهم من يرتدون ملابس تدل على أنهم من الطبقة المتوسطة ، المتسولون لايستجدون أحداً، فهم يقفون مع أكياس نايلون صغيرة مفتوحة في أياديهم، يرمي بها الداخلون والخارجون من المسجد ماجادت بها أنفسهم من نقود، وكانت بعض النسوة منهن يحملن أطفالهن في محاولة لاستدرار العطف.

عند الخروج من المسجد في صلاة الفجر وزع بعض الشباب على المصلين أكياس حلوى وشوكولاه تبلغ قيمة محتواها أكثر من عشرة آلاف ليرة لكل كيس، وبعد صلاة العيد وزعوا حلاوة مغلفة أنيقة على المصلين.

صور لايمكن نسيانها في هذه المدينة الغريبة، أقول غريبة، لأنني وأنا أمشي بين الناس، كنت أفكر جديا بأن ثمة بؤساً في المدينة ينكشف تلقائيا في أيام العيد ، لكنه اختفى بلمسة سحر، أو أنني وُجدّتٌ في المكان الخطأ !

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى