عرّف ما يلي…(حواريّة مسرحيّة)
عرّف ما يلي…(حواريّة مسرحيّة) .. جلس (العفريت) الصغير إلى طاولة معلّمه كي يختبره في آخر امتحان شفهيّ وارتجاليّ، قبل أن ينطلق المريد الغرّ إلى حياة ( العفرتة) وهمومها الكثيرة..
أمسك السيد بعصاه وسأل الصغير في حزم: (ما هذه)؟
-كان عليك أن تشير بها كي أعرف وظيفتها يا سيدي ، ألم يسأل الله كليمه عليه السلام، فأجابه: (أتوكأ عليها وأهشّ بها على غنمي …ولي فيها مآرب أخرى).
-وما تعريفك للمآرب أيها المتذاكي؟
-المآرب لا تعرّف يا سيدي، ذلك أنها لا تحدّد بظرف أو مكان أو زمان.. إنها ما تجود به المخيّلة في ساعات الحاجة والضيق…. ثمّ أنّي لست متذاكياً، بدليل أنّي أقرأ كلّ احتمالات الردّ مثل لاعب شطرنج يحاول أن يكون محترفاً.
-ما المخيّلة؟…مهلاً، ميّز بين الهواية والاحتراف أوّلًا.
– الهواية غواية، أمّا الاحتراف فغالباً ما يسقطك في الانحراف …. لنعد إلى المخيّلة، هي القدرة على النظر من خلال الجدران… والطيران بأغلال ثقيلة…. إنها أجنحة طير لا تطير … وأثداء رجال لا يرضعون…. عفواً على هذا الاستطراد يا سيدي … لم يكن ذلك إلاّ متعة في الكلام، كما قال النبي لمولاه.
حدّثني عن الحاجة؟
-أن تعتقد بأنّ الآخر أقدر منك…. من قال: إنها أم الاختراع الذي لا يشبه الغريزة في شيء يا سيّدي…!.
-الضيق؟
-أن لا تحدّث بنعمة ربّك، تشكّك بطول أعضائك الظاهرة والباطنة، تبحث عن صديق يبحث عنك… وتسكن غرفة دون نافذة وتنام على وسادة دون أمنيات.
-المال؟
-من فعل مال، يميل.. مالا، يميناً ويساراً، نحو الأسفل والأعلى ..ومنه اشتقت كلمة (ملل).
-الحب؟… حدّثني عن الحب.
-دعارة الفقراء وزهد الأغنياء … وأهل المال والسطوة والنفوذ… لكنّ الحبّ هو الذي جعلني أجلس إلى حلقاتك وأنصت إلى دروسك بانتباه.
-الفساد ؟
-ابن غير شرعي لزواج (مسيار) بين المال والسلطة….ما أسعد حظنا بالعاقر والخائن عندئذ.
– الكراهيّة؟
-لا يمارسها إلاّ جبان مقعد فوق كرسي متحرّك اسمه العجز…قل لي من تكره ,أقول لك (ما) أنت….عذرا لاستعمالي أداة لغير العاقل يا شيخي.
-الرياء؟
– أن لا تملك ما تريده… كأن تضطرّ إلى قلب الطاولة على أستاذك بذراع مفتولة ويد واحدة… أو تغرق النهر بالكتب كي تمرّ خيول غزوك كما فعل (هولاكو).
-وهل تنوي فعل ذلك ذات يوم؟
-إذا كانت الطاولة هي الفارق الوحيد بيني وبين غبي يوصف بالحمار …. مع احترامي لأوّل مهندس للمسالك الشائكة عرفته البشرية.
– ما الفرق بيني وبينك؟
-حتماً، ليست هذه الطاولة التي أتمنّاها يا سيدي … وليست هذه العصا التي لا تشير إلاّ لأصلها إلى حدّ الآن …وبعيداً عن إشارة منك.
-الضحك؟ (وهو يبتسم).
-يأتي لعدم معرفة السبب…على عكس ما يشاع عند الناس بأنّه من طبائع ضعاف الأدب.
-العلم؟
-ناقص لأنّه عند الله، يسبح في ملكوت الخالق ويشكو من قلّة المتطفّلين والمتلصّصين من أمثال (بروميتوس) اليوناني ومحي الدين العربي… أمّا المعرفة فمجرّد اكتشاف لا أكثر ولا أقل.
-أجب على قدر السؤال أيها المتفاصح الصغير.
-السؤال أنثى والجواب ذكر… هكذا قالت العرب يا سيدي.
-والفرق؟!
-تباعد مثل أرض وسحابة…. وتقارب مثل محراث وتربة…. بنيت الحياة على هذه الثنائية يا سيدي، فهل لديك من ثالث مرفوع.
– أنا الذي يسأل، كفّ عن التطاول…. ولا تردّ عن السؤال بسؤال.
-لا يطول ولا يتطاول إلاّ من هم على قيد الحياة، هل رأيت قبراً يعلو في غفلة من ساكنه يا سيدي؟
-اذهب وباشر مهامك أيها العفريت الصغير، إني منحتك الإجازة، قبل أن أكسر هذه العصا فوق جسمك النحيل.؟
-الآن عرفت مهمّة هذه العصا بعد أن غادرت أمها الشجرة… الشجرة التي منحتك من خشبها طاولة للتدريس يا
سيدي.
-اذهب، إنّ زميلاً لك ينتظر على الباب … وأنتظر التعلّم منه أكثر.