كائنات “مدعشة “…
كائنات “مدعشة “…” داعش ” …ـ وعلاوة على اختصارها اللغوي الشائع ـ هي أيضا اختصار حضاري وسياسي واجتماعي مدروس ومقصود للعبارة التالية ” دولة إنهاء العراق والشام ” .
أعتقد أنّ من الطبيعي أن يكون للأوبئة والأمراض المزمنة الحديثة مسميات طويلة وغريبة و”طريفة” أحيانا، لذلك نلجأ لاختصارها تهرّباً من تكرار مفرداتها على الملأ ونطلب اتّقاء شرّها فنذيّل مجرّد ذكرها عادة بجملة دعاء كاملة وغير منقوصة وهي “عافانا منها ومنكم الله ” …..ويردّ السامعون ” آمين يارب العالمين “.
“داعش ” ـ عافانا منها ومنكم الله ـ وباء مثل كل الأوبئة التي حضنتها المستنقعات المطوّقة والبؤر المتعفّنة والمجاري الراكدة، تناسلت جراثيمها وانتعشت فيروساتها في بيئتها الطبيعية ثمّ جاءت الرياح التي وجّهت سمومها نحو الهدف بمنتهى الدقّة والإتقان ومهارة اللذين يحرّكون طواحين الهواء …..وما علينا إلاّ أن نضيف إلى ” خلطة ” دعائنا وإيماننا الكثير من الحرص والتيقّظ والمعالجة العقلانيّة الواعية والمسؤولة .
الأمراض قديمة قدم التعافي وتتربّص بتيجان الأصحّاء قبل المرضى ـ وهل يمرض مريض ؟ـ لذلك وجب صناعتها لدى أكثر الحروب قذارة عبر التاريخ . ليس غريباً أن تحطّ “داعش” رحالها في مهد أعرق الحضارات وأنبل الثقافات وأكثرها إدهاشاً وقدرة على الاستمرار .
بات معروفاً في عالم الطبّ أن تفتك فيروسات خبيثة بأخرى حميدة ومعزّزة لأجهزة المناعة فتضلّل طرق المعالجة، تضعف المقاومة وتجعل الشفاء مستعصياً في الجسم الاجتماعي الذي لم يألف هذه الأمراض ولن يتآلف معها بسهولة .
نظرة متفحّصة إلى “براعة ” المادة الإعلاميّة التي تصنعها وتسوّقها داعش والتي فاقت حدود المتخيّل في زرع مفهوم الإرهاب كفيلة بتقصّي معرفة من هؤلاء وتتبّع الأصابع الماسكة والمحرّكة للخيوط ….يا إلهي …لكأنهم “معجزة هوليوديّة”…
لقد أوشكوا أن يحقّقوا أهدافهم في جعلنا نخرج من طورنا، إمّا نقمة على الصالح والطالح من أتباع هذا الديانة أو يأساً أو ذهولاً أو سعياً لتبرير ما يفعله هؤلاء السفهاء منّا .
أصبحنا نترنّح حيرة وشكّاً وقنوطاً، حتى ذهب الكثير منّا إلى مخاطبة القوي بقوله ” افعل ما تشاء، ستجدنا إن شاء الله من الصاغرين والصابرين والقابلين بقسمتك “…وماذا يفعل ميّت بين يدي مغسّله كما تقول العامة .
واضح أنّ “داعش” تتعمد الغموض وتزيد من شهيتك في التأويل وتعدّد القراءات فأنعشت مع كل رأس مقطوع مئات البلاتوهات التلفزيّة وشغّلت الهواة والمحترفين في التحاليل السياسية حتى أمست جرائمها مادة للتفكّه لدى العامة …وتلك ـ لعمري ـ قمّة العبثيّة التي عجز عنها مسرح “بيكيت ” و”ابسن ” وعتاة سينما الرعب وفانتازيا الموت .
تسعى داعش إلى البدء بقضم بلاد العراق والشام رغبة في ترهيب الصغار والكيانات الضعيفة وغير المحصّنة، وتلك عادة دأب عليها مصّاصو الدماء من الغيلان البشرية …ولكن…
أنا على يقين شخصي بأنّ هذه الكائنات الغريبة ليست إلاّ خيال ظلّ مضخّم فيه ودمى جوفاء ممسوخة الصناعة تنفخ فيها شياطين ذات نفس قصير ….وسينقلب السحر ضد الساحر في أمد قريب .
ليس الأمر تفاؤلاً “استمنائيّاً ” على طريقة إعلام الأنظمة الدكتاتورية، لكنّ هذه “المكتّة ” وهذا ” المصب ” من النفايات الداعشية في المنطقة سيكسب المنطقة التي سبق أن زارها التتار مناعة استثنائية ويفتك بصنّاعه على طريقة وحش فرنكشتاين …
لعلّ سرّاً غريباً اسمه سحر الشرق سوف ينقذ المنطقة مثل كل مرّة فتحتار الأجيال القادمة في تشخيصه ويفشل الغرب في استخلاص العقاقير والمضادات الحيوية للاستفادة منه .
كلمة في الزحام …الله يذكرك بالخير يا ” أبو فريد” سائق الميكروباص بالشام، ظلّ يحدّثني ساعة عن بليّة أصابت الغرب الفاسد وهي أسوأ من” الايدز “، سألته ما اسمها ؟ قال ” السيدا “… أجبته ” نفس الشيئ، هو مجرد فارق لغوي، بإمكانك أن تقرأه من اليمين إلى اليسار أو بالعكس … أجاب بعد تلكؤ ” شو بيعرّفني …أنا شخصياً أسمّي باسم الله وأتّكل وما يصيبني شيئ …وين كنّا بالحديث ؟.