الربيع العربي : قد تنجح العمليّة ويموت المريض…
الربيع العربي : قد تنجح العمليّة ويموت المريض… (كلّما أحببنا امرأة ضاجعها الآخرون ) : جملة قالها أحد صعاليك العصر باكيا نفسه وشاكيا حالة الاحباط التي تتربّص به عند كل فرح عابر وصغير .
هذه المقاربة المعنوية والاستعارة اللغويّة تعكس بشكلّ جليّ وواضح مدى المرارة التي تصيب الحالمين حين يمسون على أمل صنعوه ويصبحون على كابوس دبّر لهم في غفلة وهم نائمون .
حدث هذا ويحدث كلّ يوم في (ربيع عربي ) ذي سماء ملبّدة بسحب الأحقاد وأجواء خانقة لا تكاد تتحرّك فيها الطيور والنسائم الواعدة حتى تحاصرها غربان الظلام من سارقي البهجة وقنّاصة الأحلام.
كأنّ شهر العسل بين شعوبنا وربيعها قصير جدّا وأسرع ممّا يجب ,مثل زوجين ملولين وفقيرين , ربما لأنّ فواتير الديون المترتّبة كانت ثقيلة وبدأت بطرق باب العروسين منذ صباحيّة الزفاف …الباب الذي إذا دخلت منه استحقاقات الشعوب في الحرية والعيش الكريم خرجت (رومانسيتها) في تمجيد الثورة والتغنّي بإنجازاتها .
لعلّ في الأمر سببا آخر من أسباب تعكير صفو هذا (الزواج) الذي يحمل طعم (الطلاق ) وهو أنّ (عزّال الثورة ) كانوا يرقدون تحت فراش الزوجين الذين بدآ مبكّرا بتبادل الاتّهامات بالخيانة والتستّر على النواقص والعيوب .
كما أنّ (العرس العربي) جاء جماعيّا وأسوة بتلك (الحفلات ) التي تقيمها الشركات الراعية لضعاف الحال من الشباب العربي العازف أصلا عن الزواج …فكم زواجا سينجح وكم طلاقا سوف تغصّ به قاعات المحاكم المدنيّة ذات شتاء عربي يكشّر عن أنياب التطرّف والثورات المضادّة.
المتفرّس في في هذا الزواج العربي الربيعي ,يلحظ أشياء كثيرة لا بدّ من التوقّف عندها ,منها أنّ بعض العرائس كنّ منتفخات البطون ليلة الزفاف وبعضهنّ قاصرات , فيهنّ البكر وفيهنّ الثيّب ,العاقر والولود , الحرائر والإماء ,ذوات السوابق وذوات الرايات …أمّا العرسان فينطبق عليهم المثل القائل :(الفرس من خيّالها ).
سنستمرّ في هذه المقاربة بين الأعراس والثورات العربية مع حذر شديد من بعض التأويلات والإنزلاقات التي قد تبدو مسفّة وتستخفّ ب(قداسة) ذاك العقد بين المحبين من جهة والثوريين من جهة أخرى , فلا يثور إلاّ عاشق ولا يعشق إلاّ ثائر.
لست من أنصار تعدّد الزوجات الذي تمنعه تونس ويدعو إليه بعض السلفيين في ربيعها سرّا وعلانيّة وبإملاءات خارجيّة مشبوهة ,لكنّني مع تعدّد الزيجات إن اقتضى الأمر ,أو مع الطلاق كشرّ لا بدّ منه إن لزم ذلك واستحال التأقلم مع ماكنّا نعتقد أنه زواجا ,بل جاء بالإكراه أو العدوى أو الغبن ….كذلك الأمر في علاقة بلداننا مع ربيعها… وهذا أمر محمود ومعمول به في سنّة الشعوب التي تجدّد دائما من ثوراتها وتصحّحها حتى تستقيم وتأخذ سكّتها ومسارها.
حالات الاحتجاجات والاعتصامات والانفلاتات الأمنيّة عاديّة ومتوقّعة في الثورات التي ولدت من رحم الغضب والحرمان ,بل ضروريّة أحيانا مثل الخلافات الزوجيّة التي يشبّهها الناس بالبهارات في طنجرة الأكل ,لكنّ جلّ ما نخشاه في مطبخ ربيعنا أن تحضر التوابل ويغيب الطعام ….خصوصا إن كانت هذه التوابل من نكهة واحدة أو تشكيلة فقيرة وبائسة كما حدث في مصر وتونس….بالمناسبة , – وما دمنا في المطبخ – فلا بأس من التذكير بأنّ العروس (حديثة العهد بالحياة الزوجية ) لا ترتدي مريول المطبخ منذ اليوم الأوّل لزفافها ولا تتقن إعداد الطعام مثل الأمّ والجدّة ,لكنّ ذلك لا يمنعها من إعداد أطباق مبتكرة بدل الاكتفاء بالأكل في مطاعم السوق أو الاستعانة بمدبّرة منزل.
أمّا عن التمنيات ب(الرفاه والبنين) التي عادة ما تكتب في حاشية بطاقة الدعوة مثل شعار منسيّ في ثورة مصابة بفقدان الذاكرة فهو بوصلة الشواطئ الآمنة في حياة الناس ,فرادى وجماعات…كيف لا ,وهو المطلب الذي قامت لأجله أعراس الثورة وحجر الزاوية في بناء مؤسسات الدولة والمجتمع.
*كلمة في الزحام :
الجرّاح واحد والمبضع واحد ,أمّا النتيجة فليست واحدة …إنها حياة المريض أو وفاته .
المأذون واحد والقلم واحد…والنتيجة زواج أو طلاق …كذلك حال الثورات في التاريخ….وربيعنا مازال متأرجحا بين التطليق والتعليق.