دمشق :اسمنا العربي الجريح
دمشق :اسمنا العربي الجريح دمشق عاصمة للالتقاء، عاصمة للمحبّة، عاصمة للمتعبين، عاصمة للعواصم المستعصية، عاصمة للحياة قبل أن تكون عاصمة للجراح.
لهم دمشقهم ولي دمشقي, بل لهم دمشقاتهم و لي دمشقاتي الكثيرة، أعرف منها وأتذكّر: دمشق البخاري الموريتاني، دمشق جواد الأسدي العراقي، دمشق عبد الله الصومالي، دمشق ابراهيم الأريتري، دمشق أبي كدّو التشادي، دمشق أبي عبدالله الصّفدي، دمشق فتحي اليمني، دمشق منصور البحريني، دمشق حميدو المغربي، دمشق جمال الجزائري، دمشق سيلفان الفرنسي، دمشق “ديرل” الأمريكي … ودمشق أخرى للعابرين والمحبّين وسكّان المدن الأخرى والضواحي والدمشقيين وحتّى الكارهين من الذين عرفوا دمشق ولم يتعرّفوا إليها.
من حقّي أن أخاف عليها من لفحة الإتّجاهات الخاطئة، من حقّي أن أغار عليها من الذين لا يتقنون مغازلتها إلاّ بالقنابل، من حقّي أن أشتكيهم لنزار وابن عساكر والشيخ محي الدين، ومن واجبي أن أبادل الحبّ بالحب.
قد نكون أشبه بأهل العروس في ليلة عرسها الذي سوف يأتي وقد لاتستحسن الشام صنيعنا أو هروبنا ونحن نغنّيها، وقد نغازلها كعاشق أرعن …. لكنّنا لا نملك إلاّ أن ننحني ونقبّل يدها كأمّ رؤوم وسيّدة أرستقراطيّة بامتياز.
أعذريني دمشق على لكنتي المغاربيّة واشتياقاتي الأخرى وصداقاتي الغريبة وقسوة ابن ينتزع منك عناقا في الزحام ويحتكر أمومة فائضة… لكنّه الانتماء حين يكون إراديّا وتونس حين تمسي متسامحة حتّى الشام.
يا قبلة مفتوحة في كلّ الإتّجاهات، يا اتّجاهاً دونما اتّجاهات,
أحبّك حتّى تونس وكل حرف يتنفّس قبل توقيعي … وأقاتل لأجلك كنبيل خذله السيف والحصان ومنهار القلب والحنين.
دمشق لن أنتظر منك غير الانتظار ولن أشكو إليك غير عجزي، دمشق لن أدعوك دمشق وإنّما شيئاً آخر لم يحضرني الآن.
دمشق :اسمنا العربي الجريح
دمشق، أخشى أن تغار أمرأتي.. فدعيني أحدّثك عن شيء آخر، هل تذكرين كل اللذين مرّوا من هنا أو من هناك– وأنا واحد منهم ؟… ما لهذه الذاكرة التي لا تحب إلاّ ما تشتهي !.. يا لهذا العنفوان الذي يجمع بين غطرسة ( غورو) وتسامح صلاح الدين! أيّ فصيل من الحنوّ يجمع بين الأمويين والعبّاسيين!
يا لهذين الذراعين ما أوسعهما حين يزور أحبّاء الشهيد الحسين معشوقهم في جامع أسّسه( الوليد) بعد إذن من يوحنّا المعمدان وجوبيتير الإغريقي وقبله ( أداد ) السّوري العاصف..! ثمّ رمّم المكان سوريون وعرب وأجانب مثل من يعتني ببيته.
دمشق ليست فقط عاصمة لثقافة الاسم العربي الجريح، بل ثقافة استعصمت وصار عنوانها الشام وما قيمة الثقافة دون قبول وتقبّل، ما قيمة الثقافة إن كان عنوانها الإقصاء والتهميش والكراهيّة التي تكرهها دمشق.
حين تعتصم وتعتصر الثقافة في دمشق يقول المغرضون قبل المحبّين: عفواً دمشق… حقك علينا… لقد صبرت وانتظرت طويلاً، آن الأوان لشامة الدنيا أن تتعافى كما لم تتعافى أبداً، آن لنزار أن يبتسم في قبره بباب الصغير وللكتب أن تخضرّ وللهامات أن ترتفع وللتّفاهات أن تتفّه.
دمشق ليست في حاجة للوقوف عند طوابير الإغاثة وليست في حاجة إلى من يكتب عنها، لقد كتبتنا بما فيه الكفاية والرواية، ولكن من حقّي أن أهمس في أذن غوطتها الغربيّة وأذن غوطتها الشرقيّة :(أنا أعلن عليك بنوّتي كلّ صباح مسرحيّة. .. أنا أرتشفك مع كلّ لحظة تذكّر، أنا أحدّث عنك متعمّداً بلكنتي المغاربية، أنا أقولك حين بتردّد الآخرون. . أنا أنت في خوف عابر ومستديم، أنا “هنري الثامن ” في مسرح شكسبير عندما أحرّف قوله :(مملكتي بحصان… مملكتي بدمشق… بحصان يأكل من عشب صدري كامرأة… بحصان يعشق الصّهيل حين ينهق الآخرون .. بحصان حين لا تجب الأحصنة).
دمشق اسمحي لي بقبلة على جبينك( القاسيون) وأنا اليتيم “المزمن “، اسمحي لي أن أقول أحبك بعد ولادة الكراهيّة في غرف العمليات القيصرية .
كنت لي في كل ما قترفت من كتابة على الأوراق والخشبات عتاباً صامتاً وارتباكاً ممتعاً بعد كلّ تصفيق.
أتحسّس ابهامك في طرف أذني بعد كلّ قصيدة رعناء.
دمشق خالتي التي أوصتها بي أمّي بعد غيابها، دمشق التي “أدمشقها” و”تدمشقني” كلّ مساء دون أن يعلم الآخرون.
دمشق التي قال عنها أبو توفيق نزار يوماً في تونس:
ودمشق تعطي للعروبة شكلها * وبكحلها تتكحّل الأهداب.
09.09.2013