كتاب الموقعكلمة في الزحام

لهم مسلسلاتهم ولي مسلسلي

لهم مسلسلاتهم ولي مسلسلي .. لينظر كل واحد فينا إلى إبهام يده صبيحة كلّ عيد… حتماً سيجده متورّما من كثرة الكبس و( التفقيس) أمام صندوق تتفاوت أحجامه حسب المنازل، لكنّ شخوصه واحدة.. هل من فضائل شهر رمضان أيضاً أن أصبح يوحّد بين الأذواق !؟ .

مسلسلي
إنه موسم الهجرة إلى التلفزيون إذن، حان موعد الاسترخاء بل حتى النوم فوق الكنبة لتتكلّم بعدها لغة الأمعاء قبيل الغروب على أطباق يكتفي الفقير بالتهام أسمائها.. ثم تأتي لغة العيون الشاخصة و الدامعة فرحاً لأهازيج النصر وبلاد حرّرها الكومبارس، لنخوة نفتلها ثم نخفيها تحت الطرابيش فتشي بها الشوارب المستعارة.
لقد أسقط ما في يدي من أجهزة التحكّم … هدوءاً.. إني أغفو مثل حنين، لا توقظوني حتّى أشاء، دعوني أدعو من تحبّه نفسي إلى نفسي وأحدّثكم عن مسلسلي الخاص:
*تبدأ الشارة بروائح طفولة وتوابل المراهقة الأولى .. وأصوات تصّاعد إلى السماء كأدعية المظلومين .
يرفع الطفل رقبته باحثاً عن هلال رمضان، – لقد تأخّر يا أمي، لعلّه يرفض المجيء هذا العام ..؟
– سيأتي، السماء والأقمار لا تكذب مثلك أيها الشقي .. أعطيتك النقود لشراء البخور فعدت وجيوبك مكتنزة بالدحل والمفرقعات.
*الحلقة الأولى تبدأ بصوت مدفع- ليت كل المدافع مثله – تتبعه إضاءة خضراء في أعلى المئذنة يليها صوت مؤذّن قوي ورخيم وكأنه لا يشعر بالعطش أو الجوع .
يردّد الطفل الدعاء مع أبويه كببغاء صغير، يمدّ يده إلى وجبته المفضّلة وهو يسأل: أبي ما معنى (ابتلّت العروق)؟
–  الأب: ابدأ بالتمر أوّلاً إنه كسرة الصحراء، ثمّ الحليب: إنه من أنهار الجنّة وشراب المتّقين.
يشرد الصبيّ قليلاً وهو يفكّر في المؤذّن الكفيف الذي يبعد بيته بعض الوقت عن الجامع، لا بدّ أنه يتناول إفطاره في أعلى المئذنة… ليتني أجرّب ذلك… ثمّ كيف يشاهد غروب الشمس وهو لا يبصر…!؟.

*الحلقة 14:

منتصف الشهر، اكتمال البدر: تجاوزنا عشرة الرحمة وها نحن نقف وسط المغفرة باتجاه العتق من النار.
طلب الطفل من أمه بأن لا يجبره أبوه على صلوات التراويح، فلقد غلبه النعاس البارحة أمام المصلين، سجد برأسه الثقيل ولم ينهض إلاّ بصعوبة .. ثم أنها تأتي في موعد المسلسل التاريخي (على هامش السيرة) الذي ألّف قصته طه حسين ، يغفو الطفل أمام التلفزيون وتحت الدالية التي تسمح للقمر بالتسلّل إلى وجهه فتأخذه أمّه وهو نصف نائم إلى الداخل .
-اتركيني يا أمي، أحب النوم على ضوء القمر
-أخشى على عينيك من ضوئه القوي، ألا ترى أنّ التين لا يستوي إلاّ تحت القمر. .و كذلك الفستق. .
-أمي هل بقي تين في البرّاد ؟… أبي، ما معنى (طور سنين)؟ … يوصي بضرورة إيقاظه عند الإمساك … مع أنّه لا يؤدّي فريضة الصوم.

*الحلقة 27:

-الأم: هذه الليلة خير من ألف شهر، تحبس فيها الشياطين، تحوم الملائكة حولنا، ينفتح باب العرش السماوي العظيم على مصراعيه في وجوه البررة والصالحين… وتستجاب الدعوات جميعها .
-الطفل: كل الدعوات…؟ سأدعو أن ننهض غداً ونجد لدينا سيارة فخمة وبستاناً من التين وأجدني كبيراً ومفتول العضلات أكاسر ابن الجيران وأغلبه … وأن تعود أختي التي رحلت إلى السماء…. وأنت يا أمي، ماذا تتمنين؟
-الأم: )وهي تضمّ ابنها) أنا حققت أمنيتي التي أريد لها أن تستمرّ في التمني وتحقيق ما تتمنّى .

*الحلقة ما قبل الأخيرة:

الشابان المشاكسان والملقّبان من طرف أحد مثقّفي الحارة بـ(لومبروزو و بيكاسو) يخرجان من السجن بعد أن حبسا فيه طيلة الشهر لمنعهما من معاقرة الخمر في الشهر الفضيل وبسبب حلفانهما الكاذب أمام القاضي الشرعي بأنهما قد شاهدا هلال رمضان وذلك مقابل مكافئة ماليّة.

• كلمة في الزحام:

الحلقة الأخيرة: ينهض الطفل فلا يحضنه إلاّ صوت الأذان ولا يمسح على رأسه إلاّ بعض البياض.
ترتيلة الشارة النهائية: الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا……ونستمرّ – رغم كل شيء – صبحة وأصيلا.

بوابة الشرق الاوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى