ليس لي ما أضيف
ليس لي ما أضيف … يا شام عاد الصيف. . فاسمحي لي أن أستلقي قليلاً على شواطىء الذاكرة وألهو بدفاتر المدرسة، أصنع منها زوارق تبحر داخل الطفل الذي كنته… طفل أجعد الشعر، كثيفه، بمنديل مدرسي أْزرق يحب الصبيّة ذات المنديل الوردي التي تسخر منه دائماً، يشقّ حقول القمح الصفراء على أنغام الصرصار … وفوق دبيب النمل متّجهاً نحو نقطة حمراء هي قرميد المدرسة الذي يعلوه علم طري خجول حل لتوه محل علم الفرنسيين الذين مازال طعم لغتهم في طرف لساني وعلى أحجار المدرسة العجوز.
اسمحي لي يا شام ان أروي لك بعض ما تعلمّته في المدرسة غصباً عني:
ـ الصرصار، عاشق الصيف الأهوج ، هذا المغنّواتي و العازف الكسول الإتّكالي المستهتر، تطرده النملة الرّصيتة المثابرة حين جاء يدق بابها في الشتاء وتلقّنه درساً في جدوى العمل وأْهميّة الادخار والتوفير ولزوم خلع ثوب الهزل والترفيه.
فكرة بدت لي بسيطة وباهتة بلون دفاتر الطفولة التي عادة ما اتفحصها في الذاكرة حين يداهمني حنين بمذاق الهزيمة فأقول لنفسي: رفقاً بهذا الصرصار الفنان الرقيق، عاشق الحياة وهو يرتي بعزفه السنابل الصفراء قبيل الحصاد ويشحن همم قطعان النمل الخائفة من شتاء قد لا تدركه والمتهافتة على حبات قد يلتهمها السوس في المستودعات الرطبة. . ثم – والابعد من ذلك كله- ما هذه الشماتة ! ما هذا البخل، وما هذا الحقد الدفين لعزيزتنا النملة وهي تغلق الباب أْمام مستجير محتاج ذنبه أنه تعلم العزف ولم يتعلم جمع القمح من بيادر الآخرين.!
ـ الأرنب، ذو الفرو الناعم والوداعة المحببة، هذا المسالم الهارب من بنادق الصيادين، خلق ليسابق النسائم .. ما الذي غرّر به ودفعه الى سباق غير متكافئ مع سلحفاة باردة الدم بطيئة تحمل بيتها على ظهرها وتمشي متثاقلة كالزمن الصعب ؟!
إذن، من حق الارنب أن يستمتع بالطريق ويلهو مع أقرانه ويأكل ما صادفه من خسّ وجزر ثم يأخذ قسطاً من الراحة ويستمتع بحلم جميل لا يريد أن يصحو منه… ولماذا يصحو؟ ليسابق سلحفاة تلهث ولا هم لها الا الوصول الى خط النهاية، وقد تسقط على إثره مغشياً عليها.
أعتقد أن الأرنب قد أراد أن يهدي للسلحفاة فرحاً كبيراً بنصر صغير وتفرغ إلى ما هو أنفع وأبهى … مدركاً أنّ الطريق الى البيت أجمل من البيت وأن المرء يجب أن يركض كي لا يصل.
ـ الغراب والثعلب، يحط الأول على غصن شجرة حاملاً قطعة جبن بين منقاريه، فيأتي الثعلب الماكر ويقنع الغراب بأنّه يملك صوتاً عذباً رخيماً. يهم الأخير بالغناء فتفع قطعة الجبن، يلتقطها الثعلب و(يشمع الخيط)…!! ما هذا الاستهتار بالطفل يا(لا فانتين).. ألا تعلم أن الغربان والثعالب لا تأكل الأجبان … وأنت فرنسي والفرنسيون أعلم الناس وأثقفهم في الجبنه، ثم من قال لك أن الغراب لا يعلم أنه قبيح الصوت رغم أنه من أنبل الطيور كما تؤكد علوم الطبيعة؟ (أعتقد أن الغراب جاء ليلتقط السلحفاة ويوصلها الى خط النهاية).
ـ ليلى والذئب: أعتقد أن ليلى العصرية لم تعد تلك الصبية الطيوبة والتي يأكل الذئب بعقلها الجدة والحلاوة. لقد أصبحت تلهو بمطاردة الذئاب في المدن الغابات وتضحك على ذقونهم وذيولهم. ثم لماذا تعاقب حين تخالف النصيحة وتسلك الطريق الاطول؟ أليست الطرق الأطول والمتشعبة هي التي تعلم الحياة؟! لكن الأهم من ذلك كله لماذا يترك الذئب الصبية الحسناء ويلتهم الجدة العجوز!
أمّا عن الخاتمة السعيدة وتدخل الحطاب الطيب فهي أسخف من أن يعلق عليها.
يا من تكتبون للأطفال (ولا أستثني نفسي)، رفقاً بالقارىء الصغير، إنه لم يعد يتوسد ركبة جدته لتحكي له الحكايات على ضوء قنديل ينوس في بلدة نائية ووديعة بل أن جدته نفسها لم تتربى في احضان جدتها. لنتجنب لغة الوعظ والإرشاد حتى لا يحدث لنا ما حدث للغراب الحكيم (غراب آخر هذه المرة) وإليكم الحكاية:
قال الغراب لابنه حينما اشتد عوده وأصبح قادرا على الطيران: اسمع يا بني نصيحتي الأخيرة قبل أن تغادر عش الأسرة,: إذا رأيت أحدهم قادماً من بعيد وانحنى الى الأرض … فانفذ بريشك لأنه سوف يلتقط حجرا ويرميك به.
ـ الغراب الصغير: وما يدريك يا أبتي…! لعله كان يخبّئ حجراً في جيبه فيرديني به قتيلاً دون أن ينحني الى الأرض ؟!
ـ الغراب الأب: طر يا بني رافقتك السلامة… ليس لي ما أضيف.