مشكلتي الشخصية مع إسرائيل
مشكلتي مع حكام إسرائيل لا تزال شخصية، قبل أن تكون قومية أو طبقية أو عنصرية أو حقوقية.. لماذا تحرمني صواريخهم ونيران بنادقهم من قضاء يوم رائق مع الأطفال والأهل والأحبة ونحن نتبادل التهاني ونتذوق من حلويات عيد الفطر.
إذا أردت أن تنتصر لقضية إنسانية وتساهم في التعريف بها وإعلاء رايتها فاجعل منها همّا شخصيا، عندها سيكون أصحابها أقرب إليك من حبل الوريد، وستدخل في مواجهة مع أعدائها كما لو أنك تحمل السلاح على أرض الميدان.
مجازر واعتقالات غزة والقدس شاهدتها في عيون الناس والمضربين عن الاحتفال بالعيد، قبل أن ألمحها على شاشات التلفزيون.. تذوّقتها مرارتها في طعامي الذي لم أستطع تذوّقه.. وهذا ليس أضعف الإيمان بل أقواه، ذلك أنه يغذي وينعش الذاكرة التي يأبى حكام اليمين الإسرائيلي أن يجعلوها تنسى وتفتح صفحاتها لإمكانية التعايش والسلام.
من يزرع الأحقاد لا يحق له التحدث عن مستقبل السلام، وما تفعله إسرائيل هذه الأيام في الأراضي الفلسطينية هو زرع الكراهية والبشاعة، لا بل تزويد تربتها ب”سماد” القتل والتهجير.. فأي صورة سوف تكون عليها شعوب المنطقة وأي قلوب سوف تتآلف وتتآخى بعد هذا الدمار؟
إذا كان رجال الفكر والأدب والفن هم أول من يمد يده ويفتح ذراعية للحب والسلام، فأي فرصة تركتها إسرائيل لهؤلاء العزّل، غير فرط الحساسية والهجوم المضاد على ما كانوا يظنونه سلاما منشودا؟
وإذا كان أبو العلاء المعرّي، رهين محبسين فأنا رهين ثلاث: صمتي وغضبي وكون القلم لا يطلق إلاّ الأحرف والكلمات.. هذا ما يقوله لسان حال أي مثقف عربي آمن يوما بإمكانية حدوث السلام الذي أصبح اليوم بمثابة المعجزة.
ما جدوى أرقى المعزوفات أمام هدير الطائرات والقذائف والصواريخ. لقد بات رجال الفن إزاء هذه المجزرة، يقرون أنهم فشلوا في تجنّب الصراخ المباشر، ليتحمّل العدو ـ كما حذّر محمود درويش – مسؤوليّة “الخلل الذي سوف يلحق بالبنية الجماليّة للّوحة والقصيدة”.
الآلة العسكرية الإسرائيلية تفعل ما تشاء لأنها ـ ببساطة ـ لا تستحي من الذين حموا اليهود من بطش جيوش الملك فرديناندو، وحتى من أفران الغاز والمحارق في حكم هتلر.
ألم نتسامح معهم في كلّ مؤامراتهم ضدّنا، ألم نرد أن نحاورهم حفاظا على أطفالنا وأطفالهم..ألم نقل لهم يوما “خذوا حصّتكم من دمنا وانصرفوا”..!
لعلّ ما يواسي الفلسطينيين في مثل هذه المحن الني اعتادوها وصاروا محصنين ضدها، هو أن إسرائيل تلعب بالنار في كل مرة تنعش فيها الذاكرة العربية عبر آلة القتل والتهديم، فتجعل من الجرح طازجا، ومن كل هذا البطش ذخيرة تُضاف إلى الجعبة الفلسطينية، لكن ثقافة اليمين الإسرائيلي تعالج الإنذار بالمزيد من التدمير والدمار.
لماذا أُحرم من زيارة أصدقائي في القدس ورام الله بذريعة “التطبيع”.. هذا ما جنته إسرائيل عليّ أيضا، قبل مزايدات الأشقاء العرب.