منطق رياضي
وفق منطق الرياضيات ـ قبل الرياضة ـ فإن لقاء القمة في نهائيات مونديال الدوحة كان بين السعودية وتونس أي بين فريق الأرجنتين الذي هزمه الخضر شر هزيمة في سابقة تاريخية، وفريق الديوك الفرنسية التي انقض عليها نسور قرطاج.
نعم، هكذا يقول “التوليد السقراطي” الذي تعلمناه مع ألف باء الفلسفة، لكن منطق كرة القدم لا يعترف إلا بالنتائج النهائية أي مثل الانتخابات تماما بعد جولاتها وما ينتج عنها من تصفيات.
وحتى تقنية مراجعة الفيديو المعروفة ب”الفار” يمكن تشبيهها بلجنة مراقبة الانتخابات، والتي تعلن النتائج النهاية بعد أن تستوفي تلقي الطعون.
كل شيء إذن، بات يشبه الفوتبول، وليس العكس أي أنها صارت المرجع والقاموس الذي نستعير منه مصطلحاتنا ومقارباتنا، في الحياة السياسية والاجتماعية، وحتى الزوجية فوق ما يشبه المستطيل الأخضر الصغير.
لنأخذ بلدا مثل تونس.. الناس هنا يستخدمون مفردات كرة القدم ومصطلحاتها لتوصيف كل شيء، وتشبيه الانجازات بالأهداف فترى الواحد في المقهى يتحدث عن الانتخابات البرلمانية، وكأنه يعلق على مباراة فريقي النادي الأفريقي والترجي الرياضي.
الأمر ينطبق على العالم بأسره، خصوصا تلك البلدان المهووسة بكرة القدم، ولربما ـ ووفق نفس المنطق ـ تتحول المقاربات إلى اصطلاحات لعبة الكريكيت في باكستان أو البيسبول في أميركا.
نفهم من هذه المقاربات أن اللعب هو أصل الأشياء، وكل النشاطات البشرية تدور في فلكه ولا تخرج عن منطقه فكأنما الإنسان هو حيوان لاعب.
ولا يتسامح لاعب مع خصمه إلا إذا كان يرنو إلى منفعة أو يخشى من وقوع مضرة كأن يرد على منافسه قائلا “وهل أنا ألعب مع حماتي؟”.
لاحظنا أن الكرة الأرضية نفسها، تحولت ولمدة ما يقترب من الشهر، إلى كرة قدم وقد تحولت معها رؤوس البشر إلى كرات كما جاء في رسم فنان الكاريكاتير علي فرزات.
اللعب يختصر ما يدور في رأس الإنسان ويجيش في خاطره من نوازع ذهب بها نحو التسلية على سبيل التمويه، لكن اللعب ـ أي لعب ـ يخفي جدية متأصلة لا تخلو من مشاعر الكراهية أحيانا، وقد تصل إلى العدائية والتلويح بالعنف.
حصل هذا ويحصل كل مرة في المدارج وعلى أرضيات الملاعب التي تفضح نزعات التفرقة والعنصرية والخلافات السياسية رغم التأكيد في كل مرة على طابعها السلمي، ومساهماتها في التقارب بين الشعوب.
مخطئ أو دجال من يزعم أن المنافسات الرياضية تخلو من السياسة والنزاعات العرقية والعقائدية وغيرها، لا بل تسوق لها وتروجها مع كل ركلة وهدف وضربة جزاء وحالة تسلل.
شاهدنا البشرية على حقيقتها مدة شهر على ملاعب الدوحة، وأدركنا أن المرء لا يبدي اللين إلا إذا كان يلعب مع حماته.
بوابة الشرق الأوسط الجديدة