هل أتاك حديث الطيور
هل أتاك حديث الطيور الذي ليس له ساقان …يولد في رحم السماء ,يحلّق وينام دون أجفان وبجناحين لا يعرفان الراحة أو الانطواء…وكالسحابة, لا يحطّ على الأرض إلاّ مرّة واحدة وإلى الأبد.
هل سمعت بطائر أحلام اليقظة, إنّه لا يحسن الطيران إلاّ إذا أغمض عينيه ليرتطم بعدها بأشرعة السفن ويموت مهشّم الرأس كجسور عنود .
هل قرأت عن الحمامة(ماري روز)التي ساهمت في تحرير فرنسا أثناء الحرب العالمية الثانية عبر نقلها الرسائل المشفّرة من انكلترا وسقطت شهيدة بأسلحة النازيين ثمّ أقيم لها نصب تذكاري عظيم.
هل تأمّلت في أقدار النوارس التي تبني أعشاشها في أخشاب المراكب المسافرة لتنتقم من لعنة الموطن والانتماء….والأوراق الثبوتيّة .
هل تخيّلت حجم بيضة طائر الرخّ الذي كان يمتطيه السندباد ورفاقه…عشّه الذي يؤسّسه على أنفس المعادن البرّاقة التي جاء بها من سحيق الأودية …والتي يقتله البشر لأجلها…اختفى الرخّ وظلّ بريق المعادن يلمع في أذهان الناس مثل أسطورة الرخّ.
هل تعلّمت سياسة تحديد النسل والتنظيم الأسري من طائر الحجل الذي ينقر على بيضه ولا يبقي إلاّ على واحدة أو اثنتين ليؤمّن على رزق فراخه الذين يريد لهم العيش بكرامة ودلال.
هل أشفقت على الطير الذي أراد الاستراحة فوق عود يابس في حرّ الصحراء .. فإذا بالعود يفترسه ويبتلعه من قدميه… إنّه ليس عوداً، إنّه حيّة تنصب له كميناً وتتنكّر له منتصبة في هيئة عود.
هل اتّعظت لماذا يضرب الحسّون عن الغناء في القفص حينما يأتون له بشريكة ؟… لم يكن الحسّون يغنّي وإنّما كان يصرخ مطالباً (أريد حبيبة، أريد حبيبة) .
بعض الغناء بكاء … مطالبة كان أم احتجاجاً… وبعض الإبداع حرمان أيضاً يا صديقي.
هل حطّ على معصمك باشق أو عقاب أو شاهين بعد أنّ أدّى مهمّته بنجاح … إن حطّ على رأسك يوما فأطلقه… إنّه لم يعد من الطيور الحرّة، ولا تحتفظ به أكثر من اللازم خشية أن يكون آكلاً للديدان ومصادقاً للدواجن.
هل قرأت ما قاله أمير الشعراء وشاعر الأمراء أحمد شوقي باشا على لسان الهدهد:
(وقف الهدهد في باب سليمان بذلّة قال يا مولاي عيشتي صارت مملّة
متّ من حبّة قمح أنبتت في القلب علّة).
هل انتبهت لماذا بقي الخفّاش معلّقا و(بالمقلوب) بين الأرض والسماء؟
ذلك أنّ الحيوانات الماشية نظرت إلى جناحيه فقالت له: (أنت لست منّا).
راح يريد الانضمام إلى فصيلة الطيور فنظرت الأخيرة إلى ثدييه وقالت له: (أنت لست منّا)…. منذ ذلك الوقت لم يعد الخفّاش يغادر بيته إلاّ في الليل طلبا للسترة والتستّر..
العشّاق يناجون الطيور ويحمّلونها رسائلهم، المقاتلون والأسرى يحسدون الطيور على أجنحتها ويحمّلونها لوعتهم دون غيرها من البشر كما فعل أبو فراس الحمداني، ذلك المكابر على نفسه… حقّاً لقد بدأ الشعر بملك وانتهى بملك…!
الذين خلق الله لهم أجنحة ولا يطيرون هم حتماً من فصيلة الدجاجة والنعامة والبطّة … أمّا من حرموا من الأجنحة ومع ذلك يحلّقون فهم من سلالة (ايخروس الإغريقي) وعبد الله بن فرناس الأندلسي … وغيرهم من الذين ولدوا حفاة مثل الصقور.. وأحراراً مثل الريح.
هل حدّثوك عن أسراب السنونو وهي تعلن اقتراب المطر فوق أسوار القدس أو فوق حديقة المنشيّة بدمشق.
هل أتاك حديث أنثى النسر التي تختار زوجها ممّن يحلّق بها نحو أعلى قمّة ممكنة، وهل شاهدته ذكرها منتحراً بعد أن يبلغ من الشموخ عتيّاً ودون أن يدفن رأسه تحت جناحيه كما تفعل بقية الطيور.
*كلمة ع الحاطط: إليك أيها الذي كان يشتري لي كمّاً هائلاً من العصافير كي نطيّرها سويّاً من أعلى الجبل عند حلول الربيع .. في طقس علّمني الحريّة والطيران دون أجنحة…….. إلى روحك المحلّقة يا أبي.