وماذا بعد…
وماذا بعد… عشيّة العيد كان الرجل العجوز يجلس خاف “بسطة ” صغيرة، باهتة الألوان لألعاب الأطفال الرخيصة في الحي الشعبي الفقير .
كان يتحمّل نزق الأطفال وهرجهم وصياحهم برحابة لافتة، يستعرض الألعاب أمام العيون الشاخصة الصغيرة بيدين مرتجفتين، ينادي على ألعابه بصوت مكسور، لكنّه لم يفقد طفولته، يغالب أنفاسه وينفخ لهم في البوالين ليجرّب السليم منها والمثقوب، يلاطفهم ويلاعبهم أمام أهاليهم و يدعو لهم بعيد مبارك .
وقفت أتفرّج المشهد في هذا اليوم المغبرّ القانط …أو ربما أتفرّج بقايا طفولتي التي غالباً ما تطلّ برأسها في مثل هذه الحالات…..
اعتذر البائع العجوز من أطفال جاؤوا مع أوليائهم يسألونه عن بنادق ومفرقعات وغيرها بقوله: ” أنا لا أبيع إلاّ أسلحة “الفرح الشامل ” …يكفينا ما نعيشه كل يوم …اتركوا العيد للعيد ” .
انتبه من ابتسامتي أمام طرافة جوابه وسألني وهو يربط بالوناً: ” بالله عليك يا أستاذ، لا شكّ أنك تفهم أكثر منّي في السياسة… ماذا يريد منّا هذا الشرّير المسمّى “داعش ” ومن سلّطه علينا ؟ هو يذكّرني بنذل آخر اسمه ” طالبان ” على ما أظن …من أي بلد هذان الحقيران ؟ وكيف تعجز دولة بأكملها على التخلّص منهما …؟”.
أيقنت بما لا يدفع الشك أنّ العم “حمّودة ” ـ هذا هو اسمه الذي عرفته من ألسنة الأطفال ـ يعتقد أنّ “داعش ” هو اسم علم لشخص مفرد بشحمه ولحمه وليس اختصاراً لغويّاً لتنظيم مسلّح …أمّا “طالبان ” فهو صيغة مثنّى لشخصين بعينيهما …أي طالب وطالب …..
قلت لنفسي، ماذا يجدي تصحيح المعلومة في هذه الحالة ..ولرجل ينفخ فرحاً وحياة في البوالين الملوّنة ليعلن العيد رغم ضيق العبارة والأفق والعيش ؟……..
ابق على ظنك يا عم حمودة بأنّ شخصاً واحداً لا يمكنه بأن يمنع العيد من حطّ رحاله في بلاد الأطفال رغم أنّ برعماً واحداً لا يصنع الربيع …لكنّ بالوناً واحداً فوق الأنقاض والدمار يمكن أن يهزم مئات القذائف والصواريخ، ويبشّر بحياة سوف تنهض .
ربما ـ وفي إصرار العم حمودة ـ على أنّ التنظيمات الارهابية شخص واحد ايمان بالتحدي وحتمية الانتصار .
قد يكون على حق فيما ذهب إليه، أليس من يقف خلف الإرهاب قرار واحد وشخص واحد ؟
كلمة في الزحام:
اشتريت من العم حمودة ـ ودفعة واحدة ـ ما تبقى لديه من رزمة البوالين المثقوبة والسليمة على حدّ سواء ومضيت أوزعها على كل طفل تعترضه خطواتي الشاردة .