كتاب الموقعنوافذ

اليوناني الجميل!

“السفر طويل لولا …الوصول”

اليوناني الجميل!

لم يكن صديقي “ألفريد ديامنديس” يونانياً عاش في سورية… وانما كان سورياً بامتياز… من أصل يوناني !
ذلك يعني الامتنان الشاكر الذي ينطوي عليه قلب كلّ شخص قدّمت له الأرض فراشاً لهجرته، ومأوى لمنفاه، ووسادة لنموّ أحلامه… هذا الامتنان سوف يعبّر، في كل لحظة، عن نفسه في كل شيء !
عند “ألفريد ديامنديس” الشخص… كانت اللطافة الأصلية لحفيد حضارة ما تزال آلهتها موضع تبجيل على “جبل الأولمب” في اليونان، ممزوجة بالبهاء الفرِح ليوناني عتّق نبيذه ونصوص ملاحمه وشعر ثقافته الخالدة !
وعند ألفريد المحامي… كانت النزاهة والإنحياز إلى العدالة شعار ضميره، حبث المحاماة، في بلد، ما يزال قصره العدّلي مزدحماً بالرشاة والوشاة ، وليس بالقضاء وإنما … بالقدَرْ !
وعند ألفريد السوري… كانت وطنيته بلا زحمة ولا ضجيج ولا مشهدية . “السورية اليونانية”  عنده مزيج من حب حقيقي للبلد، ومعرفة غير مغشوشة أبداً بأحجاره ، وأنهاره، وقاع حياته. كان سورياً في ثقافة تمتد عمقاً إلى الماضي السحيق، تاريخاً وجغرافيا وأدباً جاهلياً وحديثاً.
وكان يونانياً في تذوقه للندامة والصحبة والسخاء. يعرف في لحظة، كالطائر البحري، موقع السمكة التي سوف توضع ، بمنقار أنيق، في صحن الاخرين !
وكان سورياً عتيقاً في تذوقه لمنطقة الأسر الجمالي في الشعر العربي، القديم والجديد. وكان يعرف أن الفكاهة والمفارقات التي تصنعها، تحتاج إلى شعراء، لا إلى ماجنين وعابثين وحسب، وكان يحفظ أجمل الفكاهات والهجائيات في الشعر السوري، خاصة غير المنشور.
هو الذي عرّفني على أن لدى “فارس الخوري” ، رئيس برلمان سورية في الأريعينات والخمسينات ، ديوان شعر وأعارني إياه… وهو الذي جعلني أحفظ أبياتاً عديدة من أجمل الهجائيات والمداعبات لشعراء مصريين وعرب، من عباس العقّاد النزق إلى فخري البارودي الملعون الذكي !
وألفريد هو الذي لم يكن له عدو أبداً إلا، مؤخراً… السرطان !!
مرة أراد تجربة المنفى . فذهب إلى السويد بجوازه اليوناني وهناك بدأ يذوي !

اليوناني الجميل!

ولأنه تورط في الزمن، فقد كابر سنة كاملة، ولكنه عاد قائلاً: “بلاطة سوداء وسخة واحدة من أرصفة “باب توما” تحتوي على كنز لا تعادله كل شوارع العالم النظيفة !”
مات صديقي “ألفريد” . مات ودفن في دمشق…المدينة التي رحّبت، ذات اضطهاد، بأجداد أجداده. وعانقته هو حياً وميتاً.
وإنني أشعر كلما تذكرته بنوع غريب من…الأسى الموجع، والافتقاد المتكرر في صحراء أيامنا اللاهبة !

24.05.2014

بوابة الشرق الاوسط_الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى