كتاب الموقعنوافذ

ثرثرة بشرية

ثرثرة بشرية … كان الملك الفرنسي تشارلز السادس يعتقد ” بصورة معنّدة”، أن جسده مؤلف من زجاج. ولذلك كان بتجنب الاصطدام بأي شيء. ويرتدي درعاً لئلا يتهشم جسمه إن حدث أي اصطدام بأي شيء. وكانت لديه وساوس أخرى مجنونة… ومع ذلك فقد حكم 42 سنة .
لدينا نحن في العالم العربي دائماً مثل هذا النموذج المريض. والذي لا ينفر منه الفرنسيون، مثلاً ، وهم الذين يشمئزون من وجود ملك كتشارلز في تاريخهم، بل وحتى يهزأون من نابليون الذي كانوا يعرفونه عبداً لإمرأته. وهو الذي يردد عبارته الشهيرة: “الذي يدع إمرأة تحكمه… لا هو رجل ولا إمرأة. إنه لا شيء” .
لا ينفر الفرنسيون. طوال أربعين سنة من  القذافي، بل يقبلون عطاياه، وليس هداياه. وهو الذي يعرفون أنه القائل مثلاً :
” للمرأة حق الترشيح، سواء كانت ذكراً أم أنثى ”
” أيها الشعب… لولا الكهرباء التي جلبتها لكم، لجلسنا نشاهد التلفاز في الظلام”
و…” برّ الوالدين أهم من طاعة أمك وأبيك “…
والأطرف أنه، بعد اندلاع “الثورة” عنده، أصدر فرماناً “يقضي بالسجن 5 سنوات لمن يقتل نفسه حرقاً”
الغرب المنافق لا يقرف من حاملي مصالحه، ولكن العنصرية تظهر حيث تفضح ثقافة احتقار الحكام العرب عندما لا يتوافقون معهم، موقفهم الحقيقي من العرب كعرب ومسلمين أيضاً.
لم يتساءل لا ساركوزي سابقاً ولا هولاند حالياً، ولا أوباما… أو أي أحد: كيف ستصدّر قطر والسعودية الديمقراطية إلى سورية مثلاً ؟ هم يعلمون ما الذي تعنيه عبارة ” الصدفة التناسلية ” في الوراثة والتوريث. ويعلمون أيضاً، كيف يتم في المخدع تنمية أحد أعضاء “الصدفة التناسلية” لصالح ” صدفة أخرى”. حدث هذا في الأردن من الأخ إلى الابن. حدث في قطر من الأب إلى الابن بالانقلاب. والآن تستعد قطر، مرة أخرى، إلى عرسها الديمقراطي الجديد. توريث “تميم” ابن موزة بدل الأخ من أم أخرى…إلخ.
لماذا لم يقل مندوبو صناعة الحلوى الديمقراطية، اعملوا انتخابات شكلية مضمونة النجاح . حتى هذا العرض المسرحي ممنوع، فيما يقبع في سجن إلى الأبد شاعر رديء تعرض، في قصيدة، للأمير. ويصدح، في الوقت نفسه،  سوري إعلامي (فيصل القاسم) رديء أيضاً، بمدح الشجاعة في الاستجابة القطرية إلى الربيع العربي… وإنجاز التوريث والتنصيب مع وجود كامل اللياقة البدنية للأمير الأب… حمد !
فعلاً شيء يستحق المديح لأن القاعدة هي: ” إن السبب الرئيسي لتأبيد الحاكم العربي هو عدم موت الحاكم العربي” . وهكذا يكون القذافي على حق حين ترجم كلمة “ديمكراسي”   إلى “ديمومة كراسي” . والجميع وقعوا تحت وطأة أنهم على حق، لأنهم حراس فضيلة “البئر والصومعة” وهنا تعني بئر النفط (المحدد) والجامع (كيفما اتفق).
ليس لحارس الفضيلة مزايا سوى الترتبيت على الكتفين في الحقيقة. وإلا كيف يمكن فهم هذه الكمية من الاضطرابات، في عالم ينبغي أن يكون غناه مجلبة للسعادة؟
السعادة؟ إنها عوائل سعيدة في كل مكان. عوائل الحكام وضواحيهم من الأقرباء… وحتى عندما تأتي الأسرار السعيدة الأخرى… أسر الأحزاب كالعدالة والتنمية مثلاً… فإنها تتصرف أيضاً كعائلة سعيدة في الحكم. هكذا مثلاً يصبح مجرم قاتل سياح في الأقصر… محافظاً!
أوروبا ذات فم واحد لا يصدر الثقافة الشفوية. بل هذه الجملة الساذجة على شكل سؤال طفل أمريكي لأبيه: ” ما دام النفط لنا… فلماذا هو عندهم ؟!”
ونحن لم نخرج بعد من عثمانية متجددة متجذرة ، في القبول الذليل لكل عقوبة: الحاكم يتلذذ باختراع قمعه. والمحكوم يتلذذ بشكل ذهابه إلى تمرده… واصلاً إلى حظيرة عثمانية أخرى.

إليكم هذه الضريبة زمن العثمانيين:

تفرض ” ضريبة التركيبة” على الفلاحين، تدفع لكل جندي أو مسؤول يمر في القرية، جراء أتعابه في مضغ طعام الفلاحين القاسي. ( والتركيبة هنا بدلة الأسنان التي سيركبها المسؤول لاحقاً نتيجة للطعام القاسي على مر الأيام!)
العرب والغرب مدعوون للمباركة لتميم… لعله يكون عثمانياً جديداً في الحقل الوراثي.
وطبعاً ألتمس المعذرة، فليس من عادتي الذهاب، في الكتابة، إلى هذه المنطقة ذات الإشكالات التي لا تثير دهشة أحد، منذ وقت عسير طويل .
إلا أنني بت أتحسس جسدي بوصفه موضوعاً للتعذيب البشري ، كلما جاءت كلمة ديمقراطية على لسان أحد ممن أعرف أنهم ، إنسانياً، يغتصبون تاء التأنيث في كلمة ” نملة” !
وأنا أعرف أن هذه الكلمة (الديمقراطية) قد ترددت في السنتين الأخيرتين على عشرات الألسنة العربية ، أكثر مما ترددت خلال قرنين في أوروبا وأمريكا… والغابات أيضاً.

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى