كتاب الموقعنوافذ

رسائل لا تصل !

رسائل لا تصل… (( لا أملك من خيبة الأمل …. سواها )) .
حين أصبح الفارق بين الحياة والموت بسيطاً وإجبارياً ويومياً … إلى هذا الحد، صحّ فينا القول: موتى يمشون حتى الآن. أو: انظر إلى هؤلاء المشاة: إنهم موتى على الدروب تسير !
قلنا لك يا سيدي: لم يعد العبور من الشارع إلى البيت آمناً .
مات الكثيرون أمام الخبز ووراءه .
قلنا لك يا سيدي: المسعى الإنساني هو تطور في ذهن البشر، من قصة رغيف إلى كل الأغاني، ولكن هناك من يريدنا أن نعود إلى ما قبل الزراعة. فيما تحت أقدامنا كل أنواع ” الفرات ” وكل أنواع  ” النيل ” وكل أشكال المطر … مما يجعل زنبقة الأرق رايةً لحبّ الصباح الأكيد !
قلنا لك يا سيدي: نحتاج إلى مكان للنوم، وزريبة للحصان، وأفقاً للماعز الجبلي. ولم نطلب منك نجمة داوود لتضيء لنا ليل القراءة …
لم نطلب كل هؤلاء الأنبياء الذين يقتتلون الآن.
قلنا لك يا سيدي: تذكّر الوصايا التي كتبتها على ألواح صدورنا، وبالقصة الهوائية لم تأتنا: (( بشّر القاتل بالقتل، ودار الظالمين بالخراب )) ولكنك نسيتنا. وأهملت الكتابة بعدها … لا وصايا ولا ملحق للوصايا!
لدينا الآن قاتل من كل أنواع الوصايا، ولدينا خراب عميم من أكل أنواع التكايا.
يا  سيدي … يا سيدنا العالي لدينا شكاوى كثيرة.  وعندنا ألم مرفوع. وعندنا ألم مرفوع إلى كل أنواع الجلجلات. عندنا كل أنواع الشكاوى الشفوية لكننا فكرنا الآن بالكتابة إليك، إلى سكرتاريتك المشغولة دائماً.
كتبنا إليك يوميات سنتين ونصف من كل أنواع الأيام …. وزيَّنا لك تقريرنا ببعض الصلوات .
لكن لدينا مشكلة أهم الآن:
كيف نوصلها إليك ؟
أمس دمَّروا الطريق الأخير الوحيد إلى السماء: قصفه الطرفان. وأقاموا عليه الحواجز. ورفعوا على الحواجز كل أنواع الرايات. ونحن واقفون عالقون هناك !

2

في فيلم أخرجه المخرج اللبناني الراحل ” سايد كعدو ” عن حصار العراق، توجد شهادة موجعة، لم أسمع ولم أرَ مثلها أبداً (حوصر العراق 9 سنوات )
شهادة للكاتب العراقي الروائي ” عبد المجيد الركابي ” يقول فيها:
” أشكر شكسبير، وأعتذر منه لأنني بعت مسرحياته من مكتبتي واشتريت بثمنها خبزاً .
أشكر المتنبي وأعتذر منه لأنني بعته واشتريت بقيمته ثياباً للأولاد. واشتريت ابن خلدون، وطه حسين، ونجيب محفوظ، والطبري … أشكرهم وأعتذر إليهم، فقد ساعدوني على متابعة الحياة  “.
لأن هذا الكاتب وهو يدلي بشهادته في منزله، وأمام رفوف مكتبته ( التي بدا واضحاً عليها رحيل كتبها ) … يرتجف وجهه في انفعال الموشك على البكاء. وهو يشبه المكتبة بمراحل نمو الإنسان: تبدأ صغيرة . تكبر. يبدأ معنا ونكبر معاً. ولم يخطر بالبال أن يتخلى الكاتب عن رفاق نموه وشبابه، في هذا العمر، وبهذه السهولة، ولهذه الأسباب.
بعد رؤيتي للفيلم … قبل سنوات. عدت إليه الآن. هل نبيع مكتباتنا ؟

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى