كلمة في الزحام

أعيادهم وأعيادنا

 

أعياد الميلاد في الغرب الأوروبي والأميركي، لا تذكّر إلا بأعياد الميلاد، ولا تثير لدى الناس إلا مشاعر المحبة والتعاطف في موسم المحبة والتعاطف، فلا شيء تستنهضه الأجراس وملابس بابا نويل، غير الدعوة إلى المحبة والتعاطف.

تسأل أي طفل عن “الكريسمس” في زقاق، ما، من أي مدينة أوروبية عن ” عيد الميلاد” فيجيبك بأنه موسم للحب والهدايا. وتسأل أي طفل في أي بلد عربي عن ” المولد النبوي” مثلا، فيلقي عليك محاضرة في “الجهاد ضد الكفار والمشركين“.

يجب أن نعترف أننا ” لسنا مثلهم”، وأنّ ّالحب الكبير” الذي استوطن أحياءهم، ليس كذلك ” الحقد الصغير” الذي استوطن في صدور أطفالنا ، وما زال يكبر.

ليس الأمر جلدا للذات، ولا انتصارا لعقيدة ضد أخرى، بل عُرف وأخذ عنا التسامح في تاريخنا إلى حد الأسطرة واتهامنا بالبلاهة، لكن الكراهية شكل من أتعس أشكال القتال لدى المهزومين والمترددين، والمصابين بضيق الأفق والمصير.

المصابون بحبهم، يمضون في حبهم، ويختبرونه كأجمل ما يكون الاختبار، أمّا الملوثون بحقدهم فيوغلون في كرههم: توقفوا.. فما هكذا توردوا الإبل يا معشر الأحبة.

الإسلاميون ـ وعلى عكس كل المعتقدات ـ يظنون أنهم الأفضل، وذلك لسبب واحد، وهو ظنهم أنهم منبوذون ومكروهون.. بل لتقديمهم لأنفسهم بأنهم منبوذون ومكروهون.

ما ذا لو ظن الإسلاميون أنفسهم بأنهم محبوبون ومرغوبون؟

ما ذا لو قدم المسلمون أنفسهم على أنهم غير إسلاميين؟

ما ذا لو رفع الإسلاميون أمام شعوب العالم قولهم ” إنا خلقناكم شعوبا وعوالم لتعارفوا.. إن أكرمكم عند الله أتقاكم”؟

يجب أن نعترف بأن غالبية المسلمين، يعتقدون أنغسهم ” خير أمة أخرجت للناس” وأنهم لا يحفطون ولا يتدبرون عير القرآن، في حين أن كتابهم أمرهم بالانفتاح على غيره.

يجب أن نعترف بأن الخلل يشبه الدود فينا وإلينا.. وإلا فكيف نفسّر آيات الجهاد، ونغض الطرف عن حكايا التسامح؟

الإسلام السياسي يجب أن نعالجه من زاوية بعيدة عن التشنج والحسابات الشخصية والحزبية الضيقة، ذلك أنه ينخر في ذواتنا في ما يشبه السوس، والجينات الذاهبة نحو أعماقنا.. فلا مسلم دون موسوس خلفه.

وسوست خلفنا الأقاويل والتقولات والأساطير، أخذتنا أهواء العشائر والطوائف والمذاهب، وفعلت فعلها في نفوسنا.

قتلنا أشقاءنا باسم الدفاع عن أشقائنا، هجرنا أراضينا باسم الذود عن أراضينا.. وخنّا وصايا الله باسم الانتصار لوصايا الله.

الإسلام السياسي جعل منا بضاعة، سوقا لا زبائن ولا مشترين فيه غير المتاجرين باسمه. فجأة ودون سابق إصرار، صار المسلم عدو المسيحي، الشيعي عدو السني.. وقس على ذلك من ” الخوارزميات غير المتناهية”.

هل انتبهنا إلى شيء، نحن معشر المقيمين أو المقربين من الخارج  ؟ هو أن الأوروبيين يسألوننا عند الدخول إليهم: هل أنت مسلم أم مسيحي؟ شيعي أم سني أم درزي أم يزيدي؟

هل تفطننا إلى خلافاتنا عل حين غفلة؟ هل كنا ننتبه إلى قومياتنا قبل هذا الوابل من التفريق؟

نعم، ربما كنا كذلك ولم ندر، ربما وصلنا إلى ما وصلنا إليه ونحن على أهبة من الانفجار؟

يجب أن نعترف بأن مشكلة،ما، تسكن عقلا ما، هي التي تتسبب، في كل مرة في انفجار ما، داخل أرض ما،.. إذن أين المشخصون من المحللين، وهل قدرنا دائما أن نقول بأن الأزمة تُحفظ ولا يُفاس عليها؟ أم أن ” دود الخلّ منه وفيه” كما يقول المثل الشعبي؟

هل علينا أن نستنجد بمقولة ترضي الجميع، ومفادها بأن ” ديننا براء من كل شيء” أم أن الأمر أشبه بمقولة ” المشكلة ليست في السلطان بحاشيته”.. أعتقد أن حان الأوان لتسمية المسميات بمسمياتها، والقول بأن شيئا ما قد ” نخر جذع النخلة، وهبّ السرير” على حد تعبير أحمد شوقي، في قصيدته.

كان واجبا علينا أن نعترف بأن تسليمنا للإسلام السياسي، جعلنا نعتقد بأن هذا المعتقد هو المنقذ، في حين أنه ليس كذلك، ولم يرد له أن يكون كذاك.. فمن أين أتت له هذه القداسة؟

يبدو أن الإنسان يضفي القداسة على من يحب، ويخلعها ويسلبها على من يحب؟ يبدو أن الإسلام السياسي، لعبة سياسة، يتلقفها الإسلاميون ويعيدونها على شكل كرة هوائية. إنها أمر خفيف لكنه مخيف.

هل ما زال البعض يعتقد أنّ هناك فرقا بين كلمتي ” مسلم” و “إسلامي” لدى عامة الناس؟ تكاد الديانات الأخرى تخلو من هذا التصنيف، ذلك أنها تغلّب الانتماء القومي والديني على المسألة العقائدية، فلا يقال “مسيحي

الإعلام الرسمي ـ نفسه ـ، عربيا ودوليا، يخلط بين العبارتين، تورّط في التسمية، وصار لا يفرّق بين ” إسلامي” و” مسلم”.. حتى صارت العبارة متحدة ومتوحّدة.. وقبل بها الجميع، على مختلف الفوارق اللغوية.

لماذا لم يعد المرء يقف على رأس مجسّم الكرة الأرضية ليقول لابنه، مثلا، وموضحا، : هذه بلدان هندوسية وتلك مسيحية أو بوذية.. ما عدا الإشارة إلى العالم العربي، وما جاوره من البلدان المسلمة، ويقول” هذه بلدان إسلامية”؟

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى