أمثلة، حقائق وهذيانات
أمثلة، حقائق وهذيانات .. يقول مثل شعبيّ تونسي قديم: (شويّة من الحنّاء وشويّة من رطابة اليدين): ويعني في ظاهره اللغوي أنّ مادّة الحنّاء المستخدمة كزينة لدى النساء التقليديات لا يظهر تأثيرها الأفضل إلا فوق الأكفّ الناعمة الطريّة…. أمّا الأيادي الخشنة فيلزمها كميّة أوفر من الحنّاء وعلى أكثر من (وش) على حدّ تعبير إخوتنا الدهّانين.
أعتقد جازماً أنّ هذا المثل له ما يوازيه في مختلف البلاد العربيّة، بل ودعّموه بالنكت والطرائف كذاك الذي قصد استوديو تصوير لاستخراج صور هويّة، عاد لاستلامها، حدّق طويلاً في الصور ثمّ قال للمصوّر محتجّاً: إنها قبيحة ولا تشبهني في شيء.
ردّ المصوّر بقوله: أجمل ما في الآلات يا سيدي أنّها لا تكذب ولا تدلّس، فعد إلى بيتك، قف أمام المرآة وقارن بين الصورتين.
ما فهمته شخصيّاً من هذا المثل الذي حضر من قاع الذاكرة هو أنّ طالب الشيء ينبغي أن يكون على أتمّ الاستعداد والكفاءة لتقبّله ضمن لغة تفاعليّة بين الحنّاء ونعومة الأنامل وصفاء الأكفّ وبياضها…. شخصياً لا أحب الحنّاء ولا الصور الشمسية… أتقبّل الاثنين على مضض: الحنّاء في كفّ والدتي رحمها الله والصور لطلبات الهجرة والتأشيرة وجوازات السفر .
ذكّرني الأمر بأحد زعماء حزب العمّال اليساري في بلد مغاربي، وكلما شاهدته متحمّساً يتحدّث عبر قناة تلفزيونيّة، يحثّ العمّال على الإضراب ورفع سقف المطالبات إلاّ وانتابني شعور بالضحك ثمّ الغيظ…. لماذا يا ترى؟
إنّ المفارقة التي جعلتني أبتسم ثمّ أغتاظ هو أنّ هذا (الزعيم العمّالي) لم يعمل في حياته قط ولم يمارس أي وظيفة غير الخطابات، ترى ماذا يكتبون أمام خانة المهنة على جواز سفره يا ترى؟! مناضل؟…. والأهم من ذلك، كيف يعيش مأكلاً ومشرباً وثياباً ووقوداً لسيارته “الامبريالية ” !.
ربما يوازي المثل الذي أوردناه على رأس هذه السطور مثل آخر يعرفه القاصي والدّاني وهو (إذا حبيبك عسل لا تاكلو كلّو) .
عفواً، نقطة نظاميّة يا مردّدي هذا المثل الحمّال أوجه… هل الصداقة الحقيقية تتمثّل في أن نأكل عسل الصديق حتى وإن كان بكميّات معقولة … لماذا لا أصنع (عسلي الخاص) قبل لعقه من متاع الآخرين؟.
الصديق الصدوق هو ذاك الذي يساعدك في محنتك التي يراها في عينيك ولا يسمعها من فمك، وأخطأ من قال (اللبيب من الإشارة يفهم)، كيف نبعث له بإشارة إن كان لبيبا حقيقيّا … وقس على ذلك من الأمثلة التي تسكن نفس الخانة مثل:(الحرّ من غمزة والبهيم من همزة).
إنما أردت من كلّ هذه الاستطردات أن أعود إلى المثل الأوّل في العلاقة بين الحنّاء والأيدي الناعمة، هذا المثل الذي يشي دون مواربة بضرورة جودة الحنّاء ونقاء اليد للخروج بنتيجة مرضية … وقس على ذلك في مختلف المجالات.
ولقد ذكّرني كل ذلك بطرفة شعبيّة معروفة، تتلخّص في أنّ أحدهم قد (أدمن) الدعاء والتوسّل للخالق كل ليلة كي يفوز بمبلغ ضخم عبر اليانصيب يحلّ له كل مشاكله ويجعله يقبر الفقر مرّة واحدة وإلى الأبد.
استمرّ على هذه الحالة شهوراً كثيرة، حتى سمع فيما يسمع النائم صوتاً يخاطبه بقوله مستغرباً: اشتر ورقة يانصيب بالأوّل ثمّ اعقل وتوكّل …. والباقي ع ربّك.
صفوة القول أنّ الحياة تبنيها كلّ الأطراف مثل لعبة دومينو، لأنّ المغنّي لا يمكن له أن يغنّي في ضجيج الزحام وغياب مستمعين ومردّدين حتى وإن كان صدى صوته، كما أن ّ رقصة التانغو لا يمكن أن يؤديها شخص بمفرده … إنه يحتاج دائماً إلى شريك .
عفواً، لماذا استشهدنا بمثل من أمريكا اللاتينية ؟! لنتأمّل في الدبكة العربية، إنها لا تصبح أجمل إلاّ إذا تشابكت فيها الأيادي وضربت الأقدام الأرض… وما أدراك ما الأرض .
يقول المصاروة : أي المصريون في وصفهم للأرض: ادّيها ميّة تدّيك حلاوة.