(لا تستخدم القوة مع بعوضة تستريح فوق خصيتيك)
ـ آلو.. إني وقعت في الجبّ يا أبي.. ماذا أفعل؟
ـ توقف عن الحفر فورا.
يختصر هذا الحوار لوثة ادعاء الحكمة، و” تسديد” النصيحة ـ قبل ” سدادها” ـ، ذلك أن أفضل طريقة لحل جميع مشكلاتك هو حلها.
لو نظرت حولك سوف تبدو كل الحلول “بسيطة كالماء وواضحة كطلقة مسدس”. طبعا، هذا لا يعني أن تطلق النار على بعوضة تافهة في ليالي الصيف القانطة، كما فكرت شخصيا في أكثر من مرة، لكنني عدلت عن قراري لمجرد أني لا أمتلك مسدسا.. تذكرت صديقا ضابطا في بلد عربي، كان يستخدم فوهة مسدسه لفتح زجاجات البيرة، وأدمن على الحالة أكثر من إدمانه على البيرة.
نعم، نحن قوم يحفرون حيث يقعون، كأن نزيد على البكاء بكاء، وعلى العويل عويلا، ظنا منا أن الذهاب نحو الأقصى هو أفضل الطرق المؤدية نحو أبواب النجاة.
” لا يُنسي الوجع، ولا يخفف منه إلاّ المزيد من الوجع”.. وفق هذه القاعدة، ادعينا أننا نواجه كل التحديات حتى أصبحنا “شعراء”، كقول اللبناني سعيد عقل في دمشق ” أمَـويُّـونَ، فإنْ ضِقْـتِ بهم ألحقوا الدنيا ببستان هشام”. وأنشد من قبله بقرون، عمرو بن كلثوم “إذا بلغ الفطام لنا صبي تخرّ له الجبابر ساجدينا”.
جميل أن يدّعي المرء بأنه يتزحلق حين يقع، لكن سقطة الحمار ليست مجرد كبوة حصان.. ولا نفع للابتسامة أمام كاميرات التصوير.. لقد ” حُصّل ما في الصدور” فلا تقل أيها المكابر زورا، على نفسه ” دائما هناك مرة أخرى”.
نعم، هناك ” مرة أخرى “، ولكن بطريقة أخرى، فلا تنتظر نتائج مختلفة من تجارب مكررة.. توقف عن الحفر، وانتظر من سوف يأتي لنجدتك إن كنت لا تقوى على إنقاذ نفسك.
الحقيقة أنك سوف لا تجد من ينقذك عزيزي القارئ الذي قد يبتسم من هول الشماتة، وابق في الحفرة، ولا تحفر، إلى أن آتي لنجدتك.
بصراحة، أنا أكتب إليك الآن، من حفرة عميقة وقعت فيها نفسي عن طواعية، وما زلت أحفر بحثا عن حل.
حفرة لم يحضرها لي أحد، ولم يدفعني نحوها أحد، ذلك أني لا أسابق إلا نفسي، وأركض كي لا أصل. هي حفرة رائعة، وتغري بالمزيد من الحفريات المعرفية وسط غياب أي شبكة اتصال أو طلب إنقاذ من أحد.. آلو أبي.. اطمئن، أنا بخير في ورطتي.. وما زلت أحفر.. آلو.. يبدو أن أبي خارج التغطية.