كلمة في الزحام

الإنسان حيوان مشبّه

 الإنسان حيوان مشبّه..وحدها عقد النقص ونوازع الاستعلاء تجعلنا مهووسين بالمقارنة والتشبيه، فهذا البلد “سويسرا الشرق” وذاك “يابان أفريقيا” وآخر “صومال أوروبا”. ترى.. ما الأصل في غريزة التشبه والتشبيه؟

إذا كان لكل فرد منّا ما يشبهه ويعادله في عالم الحيوان من حيث السحنة والسلوك، فإلى أي حد تصح هذه الفرضية التي لا تخلو من النوايا المبيتة؟ هل أن الحيوان، بدوره، يتلهى بمثل هذه الإسقاطات المؤنسنة ويشبّه بعضه الآخر بفلان من الناس، وفق القوانين الأخلاقية التي تحكم بني البشر؟

حتما، لن يقول ذئب أناضولي لواحد من بني جنسه بأنه يشبه الزعيم التركي كمال أتاتورك، ولا يصرّح ثعلب صحراوي لزميله بأنه هو والجِنرال الألماني إرفين رومل، حبة فول وقد انقسمت إلى نصفين.

صفوة القول أن الإنسان كائن مهووس بالتشبيه، وكأن الأمور لا تستقيم لديه، ولا توضع إي إطارها الصحيح إلا إذا شبّهت بشيء فتشيب عليه.

من أدراك أنّ الكلب ليس ذئبا مغفّلا، تخلّى عن احتفائه بالليالي المقمرة وأراد أن يعيش بيننا فرجمناه بالشتائم والعظام بعد أن حمى أغنامنا وبيوتنا ونبح في وجه بني جنسه. دعك من القطّ الذي سكن الصالونات ونام في الأحضان وهو يعتقد أنّه من سلالة النمور إلى أن انتهى عالقا في مصيدة للفئران. هل أتاك حديث حكاية الخفاش الذي رفضت فصيلة الطيور الانضمام إليها بحجة أنه من الثدييات التي ازدرته بدورها، لأنه يمتلك جناحين ضاق به الحال فسكن الكهوف المظلمة مضطرا وهو مقلوب على رأسه مشدود الساقين وقد احتار في تصنيف نفسه.

أمّا عن “الوفاء” فكيف لي أن أصدّق بأن الأجداد كانوا يعرّضون خيولهم للعطش زهاء مئة يوم. يحبسونها في الزرائب دون رحمة ثم يطلقونها للأنهار والينابيع. وبعد أن ترد الماء, تنتقم الأغلبيّة المهجّنة  لحبسها فتهيم في البراري وترفض العودة إلى إسطبل الطاعة، أما القلّة التي تعود منها فهي الأصيلة وحدها، يكافئها أصحابها  بأفخم العلف وتسقى  بأنقى المياه ويلبسونها  أنفس السروج المزوّقة بالخط العربي  ثمّ يصنع لها  حدوات من الذهب الخالص, تلمع تحت شموس الظهيرة وتبرق في الظلام.. ولا تهرب عند ترجّل سيدها. الحقيقة أن تلك الخيول لم تكن إلا خيولا وأن متلازمة الغدر و الوفاء، مفهوم يخص الإنسان وحده، فإن وعدتك  الشمس بأنها ستشرق غدا ولم تشرق، فاعلم أنّك أنت الذي تأخّر على الموعد مرة واحدة، وإلى الأبد.

لا شيء يشبه شيئا آخر، حتى وإن اتجه الإنسان إلى تشبيه الإنسان بعالم الأشجار والنباتات التي فيها الحلو والمر والحامض والسام والمثمر والمتطفل والعاقر والولود.

عشاق التشبيه يضمرون نزعة عنصرية تنم عن غياب الابتكار وتقوقع حول الذات.. إنهم مثل الحرباء التي تستعير لونها من السقف الذي تحط فوقه.. عذرا.. ها أنا بدوري، أقع في آفة التشبيه.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى