البدائية مستقبل البشرية
اطمئنوا، بعد مئة عام من الآن، سوف نكون “سلقا صالحا” بالنسبة للأجيال القادمة، وسوف يوجد منهم قوم يحاولون أن يقتدوا سيرتنا ويتبعوا طريقتنا في المأكل والملبس والمسكن.
لن يقال عنا بأننا قوم متخلفون، نستخدم وسائل اتصال بدائية اسمها الانترنت والسوشل ميديا والهواتف النقالة وغيرها من مفردات هذا العصر.
لن يسخر أحفاد أحفادنا من طرقنا الحالية في التنقل كأن يقال بأن أصولهم من شعوب استوطنت كوكب الأرض وبنت فوقه حياة بدائية تعتمد على التنقل عبر “دواب معدنية” اسمها الطائرات والبواخر والقطارات السريعة، وتقوم الحروب بينها من أجل النفط والغاز والقمح.
الأجيال التي سوف تأتي بعد مئة عام لن تدرّس في قسم التاريخ القديم بجامعاتها ما نسميه اليوم ب”الذكاء الاصطناعي”، ولن يوجد من يشتم الآخر ويهينه واصفا إياه بالقادم من عصر الذرة والنيترون وظلمات الفيزياء النووية.
متاحف المستقبل لن تتضمن في أجنحتها مقتنيات العصر الحديث، وينظر الناس إليها باستغراب وهم يقولون: كم كانت حياتهم بسيطة وبطيئة.
اطمئنوا، سوف نكون “سلفا صالحا” ولكن بالمقلوب أي أن البشرية ستكمل دورتها وتعود إلى العصر الحجري من جديد بعد أن دمرتها حضارة التكنولوجيا الرقمية.
سوف يرتدي أحفاد أحفادنا جلود الحيوانات وهم يركضون خلف الطرائد ثم يعودون متعبين إلى كهوفهم المظلمة قبل اكتشاف النار.
نعم، آن الأوان للتكنولوجيا الرقمية أن تدمّر نفسها بنفسها بعد أن بلغت منتهاها لتحل محلها حياة بدائية صرفة.
الأمور لن تستقيم بغير هذا المنطق، لقد صار التطور العلمي ينذر بالنهايات الفجائعية بعد أن كان يبشر بحل المعضلات المستعصية، ويعد البشرية بالخلاص والمستقبل الأفضل.
ماذا عسانا أن نتخيل من فتوحات علمية جديدة بعد هذا الكم الهائل والمتسارع من الإنجازات التي ما تنفك تفند وتلغي ما قبلها؟
وبناءا على كل نظريات المنطق وتعاقب الدورات والفصول، فإن البشرية في حاجة إلى تجديد نفسها عبر الولادة من جديد.. وهذا لن يحصل إلا عقب دمار شامل.
لا يتعلق الأمر هنا بحالة تفاؤل أو تشاؤم، إذ لا ينبغي أن تُفهم هذه السطور على أنها مرثية لهذا العصر بل لعل الكرة الأرضية عاشت هذه الحالة من قبل.. من يدري.. أليس هذا ما تقوله إحدى النظريات؟
الحنين هو الخيط الناظم بين كل الحقب والأجيال، وكما نحنّ اليوم لبساطة وعذرية الحياة البدائية، فلا شك أن هناك من سوف يأتي في الحياة البدائية القادمة، وينبه الناس إلى أن أسلافهم كانوا على درجة مذهلة من العلم، جعلتهم يدمرون أنفسهم بأنفسهم.
وبالتأكيد، سوف يكون من بين الأجيال القادمة من يحن إلى عصرنا الحالي أي إلى مرحلة ما قبل البدائية، ويصفنا ب” السلف الصالح” مثنيا على ذكائنا وتطورنا العلمي.. ولكن، أيننا نحن العرب، من هذه الفرضية كلها.