تحليلات سياسية

الحكومة السورية الجديدة (معطيات مهمة)

انتهى تشكيل الحكومة السورية الجديدة بعد عشرة أيام على تكليف المهندس عماد خميس بتشكيلها، وهي واحدة من الحكومات النادرة التي رافقها سيل من الاشاعات قد يكون من ورائها التأثير على طبيعة المشاورات أو ترويج لأسماء من أجل دفعها إلى قائمة الاختيارات أو المشاورات، وما أن صدر مرسوم التشكيلة، حتى سارع السوريون بقراءة طبيعتها من خلال السمات التي بدت ظاهرة للعيان، من بينها ثبات الوزارات السيادية (الخارجية والدفاع والداخلية) إضافة إلى تغييرات ذات معنى في الفريق الاقتصادي، ومن ثم استبعاد بعض الوزراء الذين يتولون حقائب مهمة ( الإعلام والثقافة مثلا..) .

وجاء الحفاظ على المقاعد الوزارية السيادية ضمن ثبات 14 وزيراً في مواقعهم من أصل 31، كان بينهم العدل والصحة والأوقاف والتربية والزراعة والأشغال العامة والإسكان والسياحة والمصالحة الوطنية والتنمية الإدارية ووزير شؤون رئاسة الجمهورية ووزارة الشؤون الاجتماعية.

في هذه الحالة، تم تغيير وزراء الصناعة والاقتصاد والثقافة والإعلام والنقل والنفط والإدارة المحلية والتعليم العالي والكهرباء والمالية والاتصالات والتقانة والموارد المائية والتجارة الداخلية وحماية المستهلك (أي: التموين).

فكيف تقرأ هذه المعطيات، ضمن الظرف الذي جاءت به حكومة المهندس خميس؟!

إن من المهم قراءة التشكيلة الجديدة في ظروفها الراهنة ومحاولة استقراء نوعية الأداء التي ستقدم عليه برئاسة مهندس كهربائي كان من أكثر المسؤولين تعرضا للانتقاد ومن أكثر المسؤولين صبرا على تحقيق إنجازات كبرى، وهذا يعني أنه لابد من التوقف عند شخصية ومكانة وأداء رئيس الحكومة نفسه، فقد عانى السوريون على مدار سنوات الحرب من تقنين الكهرباء، وتحولت وزارة الكهرباء إلى غرفة ذات جدار منخفض ( حيطها واطي كما يقولون بالعامية) تتلقى الحجارة والتفجيرات والانتقادات في الوقت ذاته، فمرة تقوم المجموعات المسلحة بتفجير أنابيب الغاز التي تمد محطات التوليد بالوقود، ومرة يهاجم المسلحون المحطات نفسها ويستولون عليها، بل إن سد الفرات وسد البعث التنظيمي سقطا تحت سيطرة داعش في الشمال السوري وهما يقدمان أكثر من نصف حاجة سورية للكهرباء، وفي واحدة من أخطر الهجمات قامت الطائرات الأمريكية بتدمير المحطة الضخمة التي تمد حلب بالكهرباء بحجة قصف مواقع داعش القريبة منها !

أما الحجارة، فكانت من الناس ومن وسائل التواصل الاجتماعي ومن الاعلام بأقسامه المسموعة والمرئية والمكتوبة، وكان وزير الكهرباء يسمع ويرد ويشرح ويطيّب الخواطر، إلى أن وصل الأمر إلى أنه كان يقرأ التعليقات الساخرة بسعادة.

ويقول السوريون الآن إن الكهرباء شرعت في تجاوز المحنة، وأن التقنين قد انخفض إلى حد كبير، وأن وزارة الكهرباء صمدن بأعجوبة أمام سنوات الحرب الخمس. وأن يقوم الوزير خميس بتشكيل الحكومة، فهذا يعني أن الحكومة هي حكومة صبر وإنجاز معا، بل وعليها أن تتقبل النقد الجارح أحيانا من الجميع وخاصة مجلس الشعب الذي بدأ دوره التشريعي برفع الصوت في وجه حكومة الدكتور وائل الحلقي وقراراتها التي أنهكت المواطنين، سيتابع نقده وقد يكون بوتيرة أشد!

إن الخيارات التي تم تداولها قبل تكليف المهندس خميس، كانت ماكرة أحيانا، فيمكن أن تحرق الأسماء المحتملة ويمكن أن تروج لأسماء غير محتملة، ومع ذلك نجا الوزير خميس الذي ورد اسمه أكثر من مرة بين الشخصيات المتوقع تكليفها، وأصبح رئيسا مكلفا للحكومة ومع ذلك استمرت قوائم الخيارات الوهمية بالتدفق على مواقع التواصل الاجتماعي، وكان هذا ضغطا على الرئيس المكلف في حرية الاختيار، فوضعت أسماء من معارضة الداخل من بينها فاتح جاموس وروج لأسماء فاجأت الأوساط المتابعة، وكان خميس يتابع استشاراته بعيدا عن الإعلام، وظهيرة الاثنين استبق الرئيس بشار الأسد توقعات الصحافة فأصدر مرسوم التشكيلة قبل العيد بيوم وكانت التشكيلة بعيدة عن التوقعات..

طال التغيير الفريق الاقتصادي بالكامل، وفي آلية هذا التغيير تأويل مهم، فتسمية أديب ميالة وزيراً للاقتصاد والتجارة الخارجية تعني الموافقة والرضا على آلية المعركة مع سعر الصرف التي هاجمها اقتصاديون كثيرون وربما من شأنها إعطاء هوية اقتصادية للمرحلة القادمة، وتسمية عبد اللـه الغربي وزيراً للتجارة الداخلية وحماية المستهلك، تضع هذه الوزارة على بوابة الاختبار من جديد، حيث اقتنع الناس أن هذه الوزارة عاجزة عن السيطرة على الأسواق وكبح الغلاء والغش وضبط الأسعار، وهنا يبدو الوزير الجديد الأكثر عرضة لضغط الرأي العام في المرحلة القادمة، أما تسمية علي غانم وزيراً للنفط والثروة المعدنية، فتعيدنا من جديد إلى مسألة الصبر حيث عانى السيد غانم الكثير وهو يقود آليات توزيع الوقود في أوقات الشدة، عندما كان في مواقع أدنى، ثم راح يتدرج في المسؤوليات إلى أن أصبح وزيرا ..

وفيما يتعلق بأحمد الحمو وزير الصناعة الجديد ، فتلك مهمة صعبة تضعه بمواجهة مع البيئة الصناعية ورجال الأعمال، ويتخللها علاقات غير مرضية مع الصناعيين واحتياجاتهم ، ودور الصناعة في المرحلة القادمة في شد عزم الاقتصاد وإطلاقه !

هناك تغييرات أخرى على غاية الأهمية، فأي معنى سيكون لتسمية حسين مخلوف وزيرا للإدارة المحلية وقد كان يؤدي دوره باهتمام (كان محافظا لريف دمشق) وهي المحافظة المفتوحة على جبهات الحرب من جهاتها الأربع ؟ إن الفكرة المقروءة من تكليفه الجديد هي الاستفادة من أدائه في تنشيط المصالحة الوطنية التي قال اعتبرها الرئيس الأسد في أكثر من موقف إنها أهم شكل من أشكال حل الأزمة السورية، ومعروف عن حسين مخلوف نجاحه على هذا الصعيد في ريف دمشق ومعروف أيضا نجاحه في تحقيق ثقة الرموز الأهلية في الأماكن الساخنة التي وصلت المصالحة إليها، ويمكنه مع الوزير علي حيدر وزير المصالحة من تحقيق قفزات جديدة إذا توفرت الظروف ..

سمى المرسوم الدكتور عاطف نداف وزيراً للتعليم العالي، وقد عانى الدكتور نداف أيضا من ضغوط شديدة في محافظة السويداء كانت تستهدف أداءه وتعمل على حرقه أمام الحكومة والرأي العام، وقد نجا من هذه الاستهدافات مع انكشاف عدد كبير من المعطيات وخلفياتها ..

وماذا عن الإعلام والثقافة ؟

على صعيد تسمية المهندس محمد رامز ترجمان وزيراً للإعلام خلفاً للوزير عمران الزعبي، أثارت هذه الخطوة الاهتمام من جانب نسف الاحتمالات الممكنة التي كان يتم تداولها غالبا (طرحت خيارات كثيرة لم يكن بينها المهندس ترجمان)، فالوزير ترجمان ليس من أرومة الصحافة المكتوبة، بل هو تقني في هندسة التشغيل الألكتروني في التلفزيون واستوديوهاته، والصحافة المكتوبة تعرضت لضغط النفقات وتراجعت صفحاتها، في وقت تم فيه شهد فيه الإعلام التلفزيوني والاذاعي والالكتروني إطلاق قناة تلاقي وإذاعة سوريانا وتحديث القناة الإخبارية بتجاوز مرحلة البث التجريبي الطويلة وإقامة مديرية للإعلام الإلكتروني، وهذا يعني أن الاعلام لم يعد يعتمد على الوسائل المكتوبة، ثم إن المهندس رامز ترجمان تولى مهمته كمدير عام مع بداية الأزمة في سورية خلفا للمهندس معن حيدر الذي أصبح معاونا للوزير، وتعرف على كل ظروف وخاصة معاناة الإعلام المرئي والمسموع، ومؤخرا كان رئيسا للوفد الإعلامي إلى المباحثات جنيف 3 .. وقد تشير تسمية المهندس ترجمان وزيرا للإعلام إلى اقتراب مرحلة تكثيف الأقنية التلفزيونية وتحديد هوياتها وأدوارها، وتجاوز مرحلة البرامج المتشابهة التي تزيد من النفقات على حساب الرسالة الإعلامية .

أما وزارة الثقافة، فهي الآن تجدد شبابها مع تولي ناقد سينمائي لمقعدها، فالوزير محمد الأحمد الذي يعتز المثقفون السوريون باسم جده الشاعر الكبير بدوي الجبل تولى إدارة المؤسسة العامة للسينما لسنوات طويلة، وأقام مهرجانات دولية وعربية وفي الآونة الأخيرة تزايدت وتيرة نشاطه على صعيد سينما الشباب، وفي سجل مؤسسته (بالطبع بالتوافق مع خطط الوزارة) أعداد مهمة من الإصدارات على صعيد كتب السينما والسيناريو والمجلات السينمائية.. هل سيتجه النشاط الثقافي إلى مجالات جديدة؟ وجميعنا يعرف أن الثقافة السورية تواجهها الآن واحدة من أخطر المهام الوطنية، دفعت أحد الكتاب لتسميتها وزارة دفاع ثقافي..

وهنا تبرز مسألة مهمة، بل وتفرض نفسها هي ضرورة رفع مستوى التنسيق بين وزارتي الإعلام والثقافة إضافة إلى وزارتي التربية والتعليم العالي لتشكيل ورشة عمل كبيرة تشتغل على المجتمع السوري الذي تعرضت بنيته لهزات كبيرة ..

على هذا الصعيد يبدو بقاء الدكتور هزوان الوز في موقعه وزيرا للتربية مهما في سياق الرد على الحملات التي استهدفت أداء وزارته خلال الحرب وخاصة تلك المتعلقة بالتسريبات إلا أن مايذكر لهذه الوزارة أنها خاضت الحرب على كل الصعد بدءا من المدارس التي دمرت بالعشرات وصولا إلى طباعة الكتب المدرسية التي استمرت طباعتها بالملايين وصولا استمرار الدعم المقدم للتعليم في سورية رغم كل الظروف الصعبة ..

((يتبع : السياسة والاعلام والثقافة ))

 

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى