السرقات الأدبية
السرقات الأدبية … هل صحيح أن السارق من السارق كالوارث من أبيه؟!
لو طبّقت هذه القاعدة على ظاهر معناها لأصبحت المجتمعات أشبه بقوافل الإبل: يأكل واحدها من حمل الذي يسبقه… ساعتها يكون الخاسر الأكبر هو الجمل الذي في المقدمة، أما الرابح الأكبر فهو ذاك الذي في ذيل القافلة ، بقدرة قادر.
وأزيدك من الشعر بيتاً على رأي سكان البادية، فإن الكثير من التبريريين يلوكون عبارة مدمرة ومخيفة وهي (المال الداشر يعلم الناس على السرقة)!
…ما ذا يقصدون بعبارة داشر هذه؟!
هل على كل فرد أن يشدّد ويضاعف الحراسة ويضع قفلاً على ابتسامته وكحل عين امرأته و أسنان كلبه، ما هذه الوقاحة في تبرير السرقة و الإعتداء ؟! وهل أن السرقة غريزة كامنة في الذات البشرية تنتظر من يوقظها من غفوتها ويأخذ بيدها نحو مغريات معروضة على قارعة الطريق؟
أين الحارس الأخلاقي حين يغيب أو ينام حارس الردع القانوني؟
كيف يا ترى يكون إحساس السارق حين يتدثر بثوب ليس له ويثني الآخرون على عمل ليس له ! أوليس الإستمتاع بإنجاز الأشياء أجمل من الأشياء نفسها… يذكّرني الأمر بالفتاة التي أحبت الشاب الوسيم الأهوج من خلال ما يسمعها من كلام يهمس له به صاحبه الشاعر(والعاشق الحقيقي) ذو الأنف الكبير في ركن خفي ويلقنه إياه، كان ذلك في رواية (سيرانو دي برجراك) ـ بالمناسبة ـ الرواية (اقتبسها) المنفلوطي في ثلاثينات القرن الماضي (رحمه الله وغفر له فعلته) ونسبها إلى نفسه تحت عنوان (الشاعر).
ما أشدّ وما أمرّ أن يسرق جهدك ويجير للآخر ثم تنام كظيماً كي لا تتهم بكثرة التشكّي ولكن عزاءك وسلواك هو ألق عملك وتميزه حتى وإن كان بين يدي السارق…
مازلت أراهن على غربال الأيام والإنصاف الذي يأتي عادة على صهوة سلحفاة و ما زلت أعتقد أن أنذل و أحط السلوكيات البشرية هو فعل السرقة الذي لا تبرره أي ذريعة أوشريعة ذلك أنها تجري في جنح الظلام دون مجابهة أو مواجهة، أي أن مرتكبها جبان و أشد خساسة من قاطع الطريق الذي قد تشفع له عضلاته وصراحته تحت ضوء الشمس كما أنه أضعف كرامة من المتطفل والمتسول لأنه لا يستحق الشفقة فهو لا يمارس الطلب ولا المطالبة، ثم أن السرقة تأتي في غفلة من أعين الضحية الذي عادة ما يسلم ثقته للفاعل ويطمئن لأمانته، فهي فعل غدر وخيانة بامتياز كما أن السلاح في يد السارق يقتل دون هوادة عند انكشاف أمره كمحاولة لمحو الأثر وخنق الشاهد وابعاد الراوي أي أن السارق سفّاح أيضا.
عادة ما يمدّ السارق يده (أو قلمه أو لسانه أو مسرحه) إلى ما يفتقده و يتمنى امتلاكه و يبغض صاحبه الشرعي عليه فهو إذن جشع، أنانيّ, طمّاع ، وقح ودنيىء النفس.
كل هذه المثالب وسواها اجتمعت لدى السارق لتجعل منه سارقا. .! ولتجعل الناس يحذرونه في الأسواق والمتاجر والشوارع والمحطات والبيوت، في حديثهم وفي صمتهم، في فكرهم وفي قولهم.
يقول المثل الفرنسي: من يسرق بيضة يسرق ثوراً.
بل أنّ على الواحد أن يحذر سارق البيض أكثر من سارق الثيران ذلك أن الأول أشد وضاعة من الثاني وأكثر استعداداً لفعل أي شيء فليس للسقوط قاع كما يقولون.
المشكلة أن القضاء في البلاد العربية مازال ينظر للملكية الأدبية على أنها من النوافل وسقط المتاع ويقول لك بين الإستهتار والمداعبة: (هذه هي شغلتك!.. مسرحية، فيلم، مقالة!.. بدنا شي محرز، خلاص يا زلمي، بتكتب غيرها!)
سأكتب غيرها وأجمل منها، هذا صحيح. جعلنا الله غابه والناس حطّابة كما كانت تقول أمي، ولكن… لماذا هذه الاستباحة؟هل أن جهدنا وفكرنا داشر إلى هذا الحد؟! أم أنّ على المال أن يوجد (مالاً) كي يحرسه ويحميه.
عزاؤنا دائماً أن السارق صغير وجبان … فطوبى للأنهار الخالدة والمنابع التي لا تجف … أمّا الخزي والعار فللبرك والمستنقعات.