الصيف.. أيها الفصل المحيّر
أقف مستغربا عند الشعوب التي تنتفض ضد طغاتها في الصيف، تخرج تحت وهج الشمس لتردد شعارات شتوية بامتياز.. شخصيا على أقوى في شهر تموز، إلا على نكش الذباب وشرب البيرة وحل الكلمات المتقاطعة برفقة بطيخة باردة.
العقول تدخل في سباتها الصيفي، تسترخي إلى درجة البلادة، وتدخل في إجازة طويلة مع القضاة والسياسيين والبرلمانيين والمحللين.. فأي شخص هذا الذي يحتج ويتظاهر ويناقش ويتحمس لإسقاط الأنظمة في الصيف؟ أجّلوا الأمر إلى الشتاء يا رفاق.. أرجوكم.. بليز.
حتى أنصار الخليفة الراشدي الرابع، علي بن أبي طالب، كانوا قد خذلوا صاحبهم وقالوا له ” لن نقاتل في الصيف” فتوجه إلى هؤلاء الذين عرفوا ب ” الخوارج” في خطبته الشهيرة قائلا ” إن كنتم من الصيف تفرّون، فأنتم ـ والله ـ من السيف أفر”.
يكاد يتفق العالم على أن الصيف شهر كسل وعطالة، إلا بقدر ما يسمح به التباعد الجغرافي والتبدل المناخي في أجزاء قليلة مأهولة من الكرة الأرضية، لكن السائد والمتفق عليه، هو كونه فصلا يستحيل التفكير فيه خارج قاموس البحر والمثلجات، والمغامرات الخفيفة العابرة مثل كتب الجيب المقروءة تحت المظلات وفوق الرمال.
هذا أمر يخص المرفهين بطبيعة الحال، من أولئك الذين تسمح لهم جيوبهم ب “التمدد” على الشواطئ، وهلم جرا من مفردات ” البحترة والبحبحة والشخترة والتفرهيد” وفق اللهجات العربية التي تؤدي معنى واحدا اسمه “الرفاهية” التي لا بد منها في أن يكافئ الواحد نفسه بعد شهور من الجد والعمل والكسب.
أما في بلاد البؤساء والأشقياء والمحرومين والقانطين، فالصيف مهرجان للبعوض، والحكّ والروائح، وكل أشكال المعارك مع الذات والآخر ثم أن السياسيين والبرلمانيين والمتنفذين ينعمون بإجازات خلف البحر، أو حتى عنده من تلك الشواطئ المحرمة على الفقراء.. فكيف نخرج في مظاهرة ضدهم؟ هل نلحق بهم سباحة بكل ما أوتينا من بعوض وحكّ، ونرجمهم بقشور البطيخ؟
كيف لي أن أثور في الصيف يا “رفاقي الموسميين“، ورأسي الصغيرة لا تتحمل فكرة عظيمة أكثر من طاقية القش والتفكير في ليلة رائقة دون ناموس؟ بالمناسبة، أقصد بهذه الكلمة (ناموس) ” البعوض” وليس الأخلاق كما تدل كتابات المفكرين والمنظرين الأغريق.. لا يذهبن فكركم بعيدا.
المشكلة أن ” الصيف ضيف” كما تقول العامة، وسوف تأتي الفصول القادمة مكشرة عن أنيابها دون “ناموس”، وسنستقبلها بكل ما رزقنا به من ثياب وأطعمة وأفكار، وأوهام دافئة.