كلمة في الزحام

العم الطاهر

أسدل الستار منذ أيام عن “أيام قرطاج السينمائية” كما أراد لها وسماها مؤسسها “عم الطاهر” عام 1966.

الطاهر شريعة (1927 ـ 2010) أو عم الطاهر، كما يحلو لعشاق الفن السابع تلقيبه في تونس، أدخل لوثة عشق السينما إلى هذا البلد الذي تشبه حياة كل فرد فيه شريطا روائيا يطول ويقصر بحسب مزاجه النزق القلوق.

وفي هذا الصدد، يقول الصديق الشاعر الصعلوك رحيّم الجماعي “وأنت تسعى.. فوق أرصفة تونس تثبّت جيّدا من خطاك فقد تدوس سهوا على حلم جميل سقط من قلب فقير”.

زاد عم الطاهر، عن ذلك بل ومضى بعيدا نحو معانقة القارة السمراء فأسس لمهرجان أوغادوغو، في بوركينا فاسو، معلنا جنوب المتوسط ضفة ثانية للسينما البديلة، وهو ابن دولة الاستقلال في فجر تأسيسها، وواحد من أشرس المدافعين عن قضايا التحرر في العالم.

الطاهر شريعة هو الأب الروحي للسينما التونسية وعرابها دون منازع.. تماما مثل صديقيه السينغالي عصمان صمبان، والموريتاني محمد هندو، الذي “مثل” شريعة في أحد أفلامه ولم “يمثّل” متخذا في إحدى لقطاته دور كارل ماركس، الذي يشبهه بلحيته الكثيفة على الرغم من جبة الصوف والبرنس الذي يصر عم الطاهر على ارتدائه في رمزية تؤكد على الهوية التونسية، وهو الذي يتقن لغتي الجاحظ وفولتير، إلى حد التماهي، ويطير بجناحين.

“أيام قرطاج السينمائية” تجاوزت نصف قرن من تأسيسها، وتستمر اليوم واثقة الخطوة بفضل عشاقها من مريدي عم الطاهر، ورفاقه من جيل المؤسسين الذين أرادوا للكاميرا أن تنطق بلسان تونسي فصيح، تنزع عنها كل نقاب، وتشبه نبض الشارع دون مساحيق تجميل.

ظلت قرطاج وفية لرسالتها التي أرادها باعثوها والقيمون عليها، فلا احتفاء إلا بالسينما وحدها قبل البهرج والسجاد الأحمر والفساتين والأضواء.

جمهور من ذهب، يصطف بالطوابير أمام قاعات المدينة، يناقش الأفلام في المقاهي والشوارع، يتزاحم لرؤية جديد السينما الوافدة من أفريقيا والعالم العربي وليس لالتقاط الصور مع النجوم.

السينما التونسية بدورها، لم تخذل متابعيها ومسانديها فكانت في الموعد كل عام، وحضرت بعدة أفلام تتنافس على جودتها بعد أن كانت محتشمة الإنتاج، وتطل برأسها في دورة كل سنتين.

لبست هذه السينما الثوب التونسي الأصيل، وعلى مقاسها، منذ فيلم “الفجر” الذي أخرجه عمار خليفي وعرض عام 1967 وساهم فيه الطاهر شريعة بكتابة السيناريو، بعد أن كانت هجينة وغير مكتملة الملامح، على اعتبار أن روادها الأوائل من الأطفال المدللين لدى المستعمر الفرنسي.

اليوم صارت السينما التونسية متشعبة الاتجاهات والموارد والمدارس، وصار بإمكان التونسي أن يختار بين الإنتاج الوطني المتنوع بعد أن أدمن الذوق الواحد المفروض عليه.

كل ذلك كان بفضل الأب المؤسس فشكرا “عم الطاهر”، و”يعيشك” رغم مرور أكثر من10سنوات على وفاتك.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى