نوافذ

المثاقفة والاستلاب العولمي| الخطورات والضرورات

المثاقفة والاستلاب العولمي…ليس ثمة شك في أن الثقافة العربية – على اتساع المدلول، وانبساط الجغرافيا، وامتداد التاريخ- تعاني من جملة من الأمراض المزمنة، لم تفلح في تشخيصها، فضلا عن علاجها، النظريات المستوردة، أو المحاولات المتتالية لبعض المغتربين – ولا عداء مقصودا – لعلاجها اعتمادا على الصيدلة الأجنبية، أو على الأقل الحد من قساوة أعراضها المغرقة في شرقيتها، وأنات المعانين من زمانتها.

لاسبيل واحدة للانعتاق من تصورات «الانتلجنسيا» العربية سواء في شقها المعادي لهذه الثقافة،أو الدفاع الشوفيني ضد التلاقح الثقافي، والتزاوج الحضاري، واختلاط الأمشاج العلمية في رحم كون يموج بأشكال من الصراعات والتداخلات والتحالفات ما يحتم الوقوع- شئنا أم أبينا- تحت وطأة الآخر، مهما كانت تصوراته، وضرورة التحاور معه بوعي دون استلاب،ودون استسلام وذوبان الهوية في بوتقة الغريب ،مع قليل من التحفظ على مصطلح الذوبان.

وما من سبيل أمام المتأمل الواعي للخطر المحدق بأمتنا العربية لإنكار أو تجاهل أن من أبرز أمراضنا الثقافية ، أو لنقل أعراضها، وأشهرها الدعوة لخلع الثوب اللغوي والتصور الثقافي وتحطيم آليات التفكير العقدي من ناحية ومحاولة «توقيف الزمن» و«تأبيد اللحظة» و«تحجير الرؤية» أي ما يمكن أن نسميه تجاوزا «ثقافة التحنيط» من ناحية أخرى.

نحن في أي قطر عربي حر ـ أمام الضمير الثقافي العام ، ولعله المرآة الصقيلة التي ينبغي  لكل منا  أن يراجع فيها صورته  في مرحلة من أخطر ماتمر به امتنا التي تواجه بحروب الجيل الرابع ؛ حيث الوعي ، وحيث الثقافة حتمية ، والأمن الفكري ضرورة لا رفاهة ، في مواجهة  التدعيش الثقافي المرتكز على رؤية أحادية للماضي تراه بعين هي إلى الترمد سائرة، وإلى العماء الحضاري أقرب ، وكذا في تصد حتمى أراه  فرض عين  لأؤلئك النفر وتلك الجماعات التي تخون تراث الأمة بتسارعات التجنزن، والأمركة أو التصهين أوالتصاخب الرؤيوي وفق منظور عدو مترقب  سقوطا لأعمدة الثقافة العربية الأصيلة تحقيقا للاستلاب العولمي في صيغته الامبريالية الخالعة لهويات الشعوب من جذورها  إعلاء للأعشاب الطارئة على تربة الحضارة العربية بتجلياتها التراثية العصرية في آن ، وانتصارا للكوزموبوليتانية على خصوصيات الهويات الأصيلة للشعوب .

المعركة  الواجب خوضها استنقاذا  للروح العربية  ليست وقفا على المثقفين فرادى أو جماعات، وإنما  هي من أوجب الواجبات على المؤسسات الثقافية الرسمية  بكل مراكزها  ؛ فالتهرب أو التهارب منها  لاأراه إلا خيانة ، تستوجب محاكمة الفارين إلى النجاء الشخصي ، وترك الساحة للمتربصين من بني إسرائيل وأشياعهم ، والمتأمركة قلوبهم وعقولهم، والذين يظنون وطنا عظيم الثقافة صانع أعظم الحضارات قابلا للبيع أو الشراء .

*نائب رئيس النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى