تحليلات سياسيةسلايد

المعارضة السورية تُسابق الزمن… حتى لا يأكل الجولاني الكعكة بمفرده

بعد نحو 10 أعوام على تأسيس «الائتلاف السوري» المعارِض، يجد هذا الكيان السياسي المتشرذم نفسه على هامش الأحداث، بلا وجود حقيقي على الأرض، ولا قدرة تفاوضية في الساحات السياسية، يقتصر نشاطه على عقد اجتماعات في الفنادق التركية، وإصدار بيانات على مواقع التواصل الاجتماعي. يأتي ذلك في وقت بدأ يسطع فيه نجم مؤسّس «جبهة النصرة»، أبو محمد الجولاني، في الأوساط التركية، بعد سنوات من محاولات أنقرة تلميع صورته، الأمر الذي يضع «الائتلاف» و»الحكومة المؤقّتة» التابعة له تحت خطر وجودي، في ظلّ الخطط الرامية إلى توحيد المناطق التي تحتلّها تركيا، وإنهاء حالة الفلتان الفصائلي المنتشرة فيها.

على مدار الأشهر الأربعة الماضية، عكف القائمون على «الائتلاف» المعارِض على العمل لإيجاد مخرجٍ ما، يعيد إلى كيانهم بعضاً من النشاط السياسي، وذلك بعد أن فشل هذا الكيان في حجْز مكانة حقيقية على طاولة المفاوضات، على الرغم من الدعم الكبير والمتواصِل التركي – القطري، وفي بعض الفترات السعودي، له، طيلة السنوات الماضية. وتأتي هذه الجهود في وقت استقرّت فيه خريطة السيطرة في الساحة السورية على ثلاث مناطق، حيث تسيطر الحكومة على معظم مساحة البلاد، في حين تَحكم «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد)، بدعم أميركي، مناطق في الشمال والشمال الشرقي، وتسيطر تركيا على مناطق في الشمال والشمال الغربي، ضمن كتلتَين رئيسيتَين: الأولى في إدلب، تخضع لسيطرة «هيئة تحرير الشام»؛ والثانية تمتدّ من ريف حلب الشمالي وصولاً إلى مناطق في الشمال الشرقي على حدود التماس مع «قسد»، تتقاسم السيطرة عليها فصائل عديدة تحت عباءة صُورية لـ «الائتلاف» و»حكومته».

وبينما تمّ تهميش الأكراد من الحوارات السياسية الدائرة وفق المسار الذي رسمته روسيا ووقّعت عليه تركيا وإيران (مسار أستانا)، بالإضافة إلى اجتماعات اللجنة الدستورية التي ترعاها الأمم المتحدة، وفي ظلّ التصنيف الدولي المُتّفق عليه لـ»هيئة تحرير الشام» على أنها «جماعة إرهابية»، على الرغم من محاولات تلميع صورتها، جرى تصدير «الائتلاف» على أنه الجهة التي تُمثّل المعارضة في مسارات الحلّ السياسية، والتي لم تصل إلى أيّ نتيجة حتى الآن. وتمكَّن مسار «أستانا» من تجميد العمليات القتالية وتثبيت خريطة السيطرة الحالية لإفساح المجال للعمل السياسي، الأمر الذي وفّر «بيئة آمنة» لـ»هيئة تحرير الشام»، حتى تقوم بقضْم محافظة إدلب، وتشكيل «حكومة» خاصة بها فيها. وقد عملت هذه الحكومة على «مأسسة» نشاط الجماعة «الجهادية»، مُقتديةً بأسس مشروع «داعش» المندثر، عن طريق السيطرة على الموارد الاقتصادية في مناطق سيطرتها، والتغلغل في جميع الجوانب المعيشية، وربطها بقيادة موحّدة يُمسك الجولاني بزمامها. في المقابل، ظهرت مناطق سيطرة الفصائل أكثر هشاشة، في ظلّ حالة الاقتتال المستمرّة في ما بينها، وسعْي كلٍّ منها لمدّ نفوذه والسيطرة على موارد اقتصادية جديدة، وسط عجز تامّ لـ»الائتلاف» و»حكومته» عن قيادة تلك المناطق. ومن هنا، بدأت تركيا تبحث إمكانية توحيد البقع الخاضعة لسيطرتها، وهو ما يَنتظر الجولاني، الذي كسب ثقة الأتراك، استغلاله لمدّ نفوذه على مساحات جديدة.

دفعت الظروف الحالية القائمين على «الائتلاف» إلى البحث عن مخرجٍ ما، يعيد لهم وجودهم

 

ويبدو أن هذه الظروف دفعت القائمين على «الائتلاف» إلى البحث عن مخرجٍ ما، يعيد لهم وجودهم، ويزيح عنهم خطر «الجولاني»، الأمر الذي فتح الباب أمام إجراء «مراجعة داخلية»، خلُصت في خطوتها الأولى إلى كتابة مسودّة جديدة للنظام الداخلي لـ»الائتلاف» و»حكومته المؤقّتة»، بالإضافة إلى إقرار انتقال مركز نشاطه من إسطنبول التركية إلى مدينة أعزاز الحدودية مع تركيا في ريف حلب الشمالي. وتتضمّن المسودّة التي تمّ تسريب بعض صفحاتها، تغييرات في بعض المفاهيم، بينها شطب «السعي لإسقاط النظام»، واستبداله بـ»تغيير نظام الحكم»، بالإضافة إلى شطب بندٍ كامل يوضح اختصاصات «الحكومة المؤقتة»، ويَحظر عليها «خوض أيّ مفاوضات مع النظام»، ويَحصر عملها بمحاولات «بناء بيئة مؤسساتية لخدمة المواطن». اللافت في التغييرات المزمع إجراؤها أنها تتطابق مع توجّهات الجولاني، والتي أفصح عنها في مواقف عديدة أخيراً، حيث أعطى الأوضاع الاقتصادية وتثبيت وجوده في مناطق سيطرته الأسبقية على أيّ أعمال أخرى. كذلك، تأتي تلك التغييرات قبيل عقْد مؤتمر دعا إليه رئيس الوزراء السوري الأسبق المنشقّ، رياض حجاب، في العاصمة القطرية الدوحة، مُعلِناً أنه يسعى من خلاله إلى توحيد جهود المعارضة ومحاولة إيجاد «جسم سياسي» موحّد لها.

وفي وقت تُظهر فيه الصفحات المسرّبة، سعْي «الائتلاف» إلى إيجاد «توازن» يضمن تمثيل أطراف معارِضة عدّة، تصطدم هذه المساعي بوقائع الميدان الذي تتقاسم السيطرة عليه فصائلُ مقاتلة من خلفيات «جهادية» على رأسها «أحرار الشام»، بالإضافة إلى ميليشيات مختلفة دائمة الاقتتال في ما بينها، تزجّ تركيا بعناصرها بين وقت وآخر في ساحات القتال، سواءً على خطوط التماس مع «قسد» أو خارج سوريا (ليبيا وأذربيجان وغيرهما)، فضلاً عن الأوضاع المعيشية والأمنية المتردّية، والتي خلقت حالة غليان شعبي تمثّلت في التظاهرات المستمرّة ضدّ الفصائل و»الائتلاف» و»حكومته»، وليس أخيراً ارتفاع أصوات مقاتلين داخل الفصائل ذاتها، تطالِب بتحسين الظروف المعيشية بعد الانهيار الكبير في الليرة التركية، التي تمّ اعتمادها في التعاملات التجارية في تلك المناطق. وتُظهر تركيا، التي تُبدي إعجاباً بتجربة الجولاني بعدما قدّم لها كلّ فروض الطاعة، حالة تململ من الأوضاع في مناطق سيطرة الفصائل، وهو ما أشارت إليه مصادر كردية، لم يتمّ التحقّق من صحّة روايتها من مصادر مستقلّة، بحديثها عن أن اجتماعاً تمّ بين الاستخبارات التركية وممثّلين عن الفصائل قبل نحو أسبوعين (في الثلاثين من شهر كانون الأول من العام الماضي) في أنقرة، حيث قدّم الأخيرون مجموعة من الطلبات، بينها إمدادات جديدة بالأسلحة، ورفْع الرواتب، الأمر الذي لم تردّ عليه تركيا حتى الآن.

 

 

 

صحيفة الاخبار اللبنانية

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى