الواقع كأنبل الخيارا ت …
الواقع كأنبل الخيارا ت …طلب أحد “مهراجا ” الهند القديمة من أقرب مستشاريه وندمائه أن يأمر له بصياغة خاتم تنقش عليه عبارة سحرية واضحة الدلالة ومكثّفة المعنى، تدخل البهجة إلى نفسه إن كان في حالة يأس وقنوط ، كما تعيده أيضا إلى جادة التفكّر في مأساة الإنسان ومصيره المظلم إن كان في حالة لهو وحبور .
غاب المستشار الحكيم بضعة أيام وما لبث أن عاد إليه بخاتم ملكيّ يجمع بين سحر الجمال، متانة الصياغة وبساطتها ..وقد نقشت عليه عبارة معناها ” دوام هذه الحال من المحال “.
لازم الخاتم خنصر الملك الهندي في الحلّ و الترحال، في الفرج والضيق ..وكان كلّما أصابته بليّة نظر إلى العبارة فانشرح صدره .. وكذلك يفعل حين توشك أن تأخذه العزّة بالإثم في لحظات العربدة والمجون وفي غفلة من صروف الدهر وغدرها .
توالت الأيام وتأرجحت حياة “المهراجا ” بين نصر وهزيمة دون أن تشذّ عن تلك القاعدة الذهبية المنقوشة على خاتمه الملكي، لكنّ خياراً ثالثاً ونهائيّاً ظلّ مخفيّاً في خاتمه وبين أصابعه.. خيار لا يجرّبه المرء إلاّ مرّة واحدة وإلى الأبد ..ألا وهو ذلك السمّ القاتل المدسوس تحت الجوهرة الملكيّة البرّاقة والذي يتجرّعه سلاطين الأزمنة الغابرة في حالات الهزيمة والأسر والحصار والتلويح بالكرامة المهدورة والخنوع السافر للغزاة .
بقيت في رأيي قصّة هذا الخاتم ” البوصلة ” منقوصة وعرجاء، ذلك أنها تشكو من غياب أنبل الخيارات وأعظمها وهو القتال والاستماتة في الدفاع عن الكرامة الفردية والجماعية قبل معالجة الأمر بالهروب نحو الانتحار ـ الفردي أو الجماعي ــ وقبل السعي نحو تحقيق التوازن النفسي عبر ثنائية التشاؤم في الرخاء والتفاؤل في الضيق .
يبدو لي أنّ هذه القصة ” الموعظة ” تندرج في باب آداب الملوك وإبداء النصيحة لذوي الجاه والسلطان قبل الرعيّة.. عفواً، هل قلت “رعيّة ” ؟ …أظن انه قد آن الأوان لاستبدال كلمة “رعيّة” بكلمة ” شعب ” ويتحول الوااحد منن زبون إلى مواطن في البلاد العربية العائمة فوق برك الجهل، وحان الوقت الذي تؤدّى فيه نفس النصيحة للحاكم والمحكوم على قدم المساواة الواقفة .. وليس على “ركب” المجاراة الجاثمة للخنوع والاسترزاق كما تقرأ في غالبية الصحف التي تكتب بحبر هلامي وتمجّد الكراسي بدل الكرامة .
كلمة في الزحام..
عفواً يا أبا البقاء الرندي، نحن بالتأكيد نشاهد هذه الأمور دولاً، و لقد ساءتنا أزمان كثيرة ….ولسوف تسرّنا أزمنة أكثر، سنشرب بالتأكيد نخب الانتصار ويتجرّع الطغاة والجبناء سموم الانتحار .