انتعاش الحريات في تونس لم يشمل المواطنين المسيحيين.. أكدت منظمة ” أبواب مفتوحة ” التي تعنى بحقوق المسيحيين في العالم تقريرا أكدت فيه أن 3066 مسيحيا قتلوا لأسباب تتعلق بديانتهم، ثلثاهم في نيجيريا في الفترة الواقعة بين نوفمبر 2016 وأكتوبر 2017.
وتصدرت كوريا الشمالية قائمة شملت 50 دولة، حيث تقول المنظمة البروتستانتية غير الحكومية إن المسيحيين يتعرضون فيها للاضطهاد أكثر من سواهم، بسبب ديانتهم، وحلت أفغانستان في المركز الثاني.
واحتلت تونس المرتبة 30 من جملة 50 بلدا ضمن المؤشر العالمي لاضطهاد المسيحيين الذي يقدم تقارير دورية للحالة التي يعيشها 215 مليون مسيحي في هذه البلدان حسب الدراسة التي أعدتها المنظمة المذكورة.
ونشر موقع المنظمة في مقالة بعنوان ” اضطهاد المسيحيين في تونس ” قصة سيدة تونسية اعتنقت المسيحية وتعرضت للتهديد بالقتل إن لم تتخل عن الديانة المسيحية، وذلك في إشارة إلى حالات الاضطهاد التي يتعرض إليها معتنقو المسيحية من قبل أسرهم والمجتمع في تونس بشكل عام.
وذكر الموقع أن المواطنة التونسية هي أم مسيحية شابة من أصل مسلم مهددة بالقتل من قبل أخويها وقامت بتقديم شكوى ضدهما بعد أن نصحت بذلك خوفا على مستقبل ابنيها، كما ذكرت ـ وفق المقالة ـ أنها طلبت من والديها التدخل لدى أخويها. وعلى الرغم من حب عائشة وتعلقها بأفراد أسرتها، فإن عائلتها لا تزال تلاحقها. وأشار الموقع إلى أن الدولة أصبحت أكثر تسامحا مع المسيحيين منذ تغيير نظام الحكم في عام 2011، وذلك رغم الزيادة الموازية في نسبة التدين وانتشار الموجات السلفية.
ويتمتع الأجانب في تونس بقدر كبير من الحرية الدينية إلا أنهم ممنوعون من الانخراط العلني في الأنشطة التبشيرية أما الذين اعتنقوا المسيحية من المسلمين التونسيين فيشتكون من ضغوط ومعاملات مسيئة من طرف أفراد الأسرة والمجتمع ككل وحتى السلطات الحكومية.
التبشير في تونس ظاهرة قديمة لكنها ارتفعت في نسقها في السنوات الأخيرة بفعل ما شهدته البلاد من تحولات سمحت بهامش من الحرية في اختيار المعتقد. وتشير تقارير إلى أن عشرات التونسيين يعتنقون الديانة المسيحية سنويا.
ويبلغ عدد مسيحيي تونس بحسب إحصائيات غير رسمية قرابة 25 ألف، أما عدد الكنائس الناشطة فيبلغ عددها 15 إضافة إلى كاتدرائية تونس العاصمة وبعض الكنائس السرية. وتنتشر العديد من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي بالإضافة إلى مواقع إلكترونية تخص المسيحيين التونسيين الذين يتابعون بدورهم إذاعات وقنوات تبشيرية ناطقة باللغة العربية.
تفيد تقارير صادرة عن جهات حقوقية بأنه وإن كانت الحريات الفردية مصانة في الدستور التونسي الجديد، فإن هناك إجماعا في تونس على أن ” تخلي المواطن التونسي عن دينه ” إنما هو أمر شنيع يصل إلى حد التكفير.
ورغم اتساع هامش الحريات الفردية بما لا يقارن مع الماضي، فإن التونسيين في أغلبهم، يرون في مواطنيهم الذين اعتنقوا المسيحية ” مرتدين وكفرة “، رغم أن الدستور التونسي يقر بحرية الضمير والمعتقد وتحجير التكفير وتجريم الاعتداء على المقدسات. وهو الفصل الذي أثار ولا زال يثير جدلا كبيرا بين مؤيدين ومعارضين. ومن بين الشخصيات التي رفضت بشدة هذا الفصل، وزير الشؤون الدينية السابق نورالدين الخادمي، الذي يعتبر “هذا الفصل صيغ على عجل وتحت ضغوط معينة وفي سياق من التوتر والغضب” ويحذر من أن هذا الفصل ” سيؤدي إلى إشكالات لا حصر لها على المستوى القانوني والاجتماعي والقضائي” وحجة الوزير السابق في ذلك، قوله ” من ناحية يقال إن الدولة تحمي الدين والمقدسات ومن ناحية أخرى تقول إن الإنسان حرّ في اختياراته” ويضيف الوزير المحسوب على التيار الإسلامي في انتقاده لهذا الفصل الدستوري ” كل ما ورد في هذا الفصل كالتنصيص على حرية الضمير والمعتقد وتحجير التكفير، يتناقض مع مقومات الهوية العربية الإسلامية ومع الفصل الأول من الدستور ومع ما نص عليه الفصل نفسه على رعاية الدولة للدين وحماية المقدّس”.
وبالعودة إلى ظاهرة اعتناق المسيحية في تونس، وبالخصوص في الأوساط الشبابية، فإن التقارير الأمنية تصر على ترجيح المغريات المالية التي تعتمدها الجهات التبشيرية، وتغلبّها على القناعات والعقائد الإيمانية، حيث يقول أحد المسؤولين في وزارة الداخلية بأنه “يتم إغراؤهم بالمال والزواج من مسيحيات وتسهيل هجرتهم إلى الغرب” ويضيف المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه “الشاب الذي يعتنق المسيحية يتحصل على هبة مالية قد تصل إلى ما يعادل 6آلاف دولار مع راتب شهري يتقاضاه بعنوان خدمات يقدمها كتعليم اللغة العربية أو استضافة بعض المبشرين”، الأمر الذي نفته غالبية من التقيت بهم من الشابات والشبان المسيحيين جملة وتفصيلا.
ويؤكد معظم الشبان والشابات الذين التقيتهم بأن الذي دفعهم إلى اعتناق الديانة المسيحية هو ” إيمان راسخ وقناعة محضة” كما قالت إحدى الفتيات، وأضافت ” حين علم والدي باعتناقي المسيحية اشتد غضبه وخنقني حتى كاد أن يقتلني، ونبذتني العائلة وانقطعت علاقتي بأفراد أسرتي ” وتتدخل صديقتها التي ترافقها إلى زيارة كنيسة أنغليكانية وسط مدينة تونس ” أنا فقدت عملي في المؤسسة التي يمتلكها رجل أعمال محسوب على حزب إسلامي معروف، فلقد طردني حينما أخبروه بأني اعتنقت المسيحية”.
ويرى مراقبون ومهتمون، أن أكثر ما تنتقد عليه السلطات الرسمية التونسية إزاء ظاهرة التعنيف بسبب معتقد ديني، هو أنها تتعامل إمّا بنوع من التعامي والحياد السلبي أو أنها ترى في تغيير المعتقد الديني حالة مرضية ينبغي معالجتها والتصدي إليها، الأمر الذي دفع بأحد الحقوقيين للقول بأن ” السكوت والتجاهل أفضل من التعاطي مع الأمر كجريمة أو مرض أو آفة وليس كحرية معتقد “.
المثال الأوضح الذي يعكس طبيعة هذا التعامل الغريب مع معتنقي المسيحية هو ما حدث مع سياسية تونسية، حين جاء في تدوينة نشرتها على صفحتها الخاصة في موقع التواصل الاجتماعي منذ قرابة العام، وتعلن فيها اعتناقها للمسيحية، إذ بدأ البعض يدعوها إلى مراجعة قرارها مؤكدا أن هذا التحول ” وليد إحباط وغضب من جراء الأحداث الدامية التي ينسبها أصحابها زورا إلى الإسلام” وتمنى البعض الآخر أن ” تعود عن هذا القرار ولا تسمح لحفنة من المجرمين بدفعها إلى التخلي عن دينها”.
وفور انتشار التدوينة تفتقت قريحة البعض على نوعية نادرة من الفتاوي، وحتى تقطع إحداهن الطريق أمام “تكفير” السياسية التونسية، أكدت في تعليقها أن اعتناق المسيحية لا يعني بالضرورة الخروج من الإسلام، فالخروج من الإسلام لا يتم إلا باللفظ وهي لم تتلفظ لذلك يمكن أن تكون مقتنعة بالديانتين على حد قولها. وعلّق آخر مفتعلا خفة الظل بقوله للسيدة التونسية “يمكن لك أن تكوني إسلاموحية”، وذلك في نحت بين عبارتي الإسلام والمسيحية.