تحليلات سياسيةسلايد

انتكاسة خيرسون: الحرب أمام منعطف جديد

هي إذاً الانتكاسة الثالثة للجيش الروسي في غضون شهرين؛ فبعد انسحابه من مدينتَي إيزيوم وكراسني ليمان، كانت الانتكاسة الجديدة بقرار الانسحاب من خيرسون. قرارٌ عزاه قائد القوات الروسية في أوكرانيا، سيرغي سوروفكين، من بين أسباب أخرى، إلى صعوبة توفير الإمدادات للجنود، فضلاً عن نجاعة الأسلحة الأميركية التي تزوَّدت بها القوات الأوكرانية. وعلى رغم قرار الانسحاب، تسود الخبراء الروس قناعة بأن العودة إلى خيرسون ستكون قريبة جداً، فيما تؤكد كييف، من جهتها، أن الوضع بعد استعادة المدينة ليس كما قبله، كونها مفتاح المنطقة الجنوبية بأكملها، وهو ما سيسمح لها بـ«استهداف طرق الإمداد الرئيسة للقوات الروسية»، و«قطع المياه مرّة أخرى عن شبه جزيرة القرم»

أكملت القوات الروسية نقل جنودها من الضفّة الغربية لنهر دنيبر إلى الضفّة الأخرى، مع سحْبها أكثر من 30 ألف عسكري ونحو خمسة آلاف وحدة من الأسلحة والمعدات العسكرية، وإنشاء خطوط دفاع على طول النهر. وجاء الانسحاب الروسي من خيرسون بناءً على التوصية التي رفعها قائد القوات الروسية في أوكرانيا، سيرغي سوروفكين، إلى وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، والتي عزاها الأوّل خصوصاً إلى الحفاظ على أرواح العسكريين والقدرات القتالية، فضلاً عن تعزيز خط الدفاع عن الضفّة اليسرى للنهر. وإذ أقرّ سوروفكين بأن قرار الانسحاب من خيرسون كان «صعباً»، فهو أكد أن له فوائد بالنسبة إلى القوات الروسية، من خلال إعادة نشرها «في العمليات الهجومية على محاور أخرى». وفيما جاء الانسحاب بعد نحو شهر ونصف شهر فقط على ضمّ خيرسون إلى قوام الاتحاد الروسي، أعلن الناطق باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، إلى أن «خيرسون كيان تابع لروسيا الاتحادية، وهذا الوضع ثابت ولا يمكن إجراء تغييرات عليه».

وكان سوروفكين مهّد لقرار الانسحاب في أوّل حديث صحافي له عقب تسلُّمه منصبه قائداً للقوات الروسية في أوكرانيا قبل نحو شهر، حين أشار إلى ضرورة اتخاذ «قرارات مهمّة وصعبة» في شأن خيرسون، وهو ما فسّرته كييف، في حينه، على أنه قرار بالانسحاب من المدينة، لا سيما وأنه ترافق مع عملية إجلاء كبيرة للسكان المؤيّدين لموسكو، وسط التحشيد العسكري الأوكراني، إذ تشير المعلومات إلى أن كييف حشدت نحو 60 ألف جندي لاستعادة المدينة التي سقطت في يد القوات الروسية في 14 آذار الماضي، مع بداية الحرب. ونجحت القوات الأوكرانية، اعتباراً من آب الماضي، في التقدُّم في مقاطعة خيرسون، وبخاصّة على الضفّة اليمنى لنهر دنيبر، في منطقتَي خيرسون ونيكولاييف. وعلى رغم هذا التقدُّم، نجحت القوات الروسية في وقف الهجوم وإلحاق خسائر فادحة بالقوات الأوكرانية، إلّا أنها اضطرت لاحقاً لاتخاذ القرار بالانسحاب. وفيما أشار سوروفكين إلى أن من بين أسباب الانسحاب، «خطورة إقدام كييف على تدمير سدّ محطة كاخوفسكايا الكهرومائية على نهر دنيبر في خيرسون»، وهو ما سيؤدّي، وفقاً له، إلى عواقب وخيمة، برزت أيضاً مسألة إمداد القوات الروسية على الضفّة اليمنى لنهر دنيبر، من بين الأسباب التي دفعت موسكو إلى الانسحاب.

وفي هذا السياق، أوضح المحلّل العسكري في صحيفة «إيزفستيا»، أنطون لافروف، أن «التعقيد المتزايد لتزويد القوات الروسية بالعتاد والأسلحة والطعام أصبح مشكلة أساسية»، مشيراً إلى أنه «منذ بداية العملية الخاصة، كان للقوات والسكان المحليّين على الضفّة اليمنى ثلاثة خطوط اتصال فقط مع بقية روسيا من خلال نهر دنيبر: جسر أنتونوفسكي في خيرسون، خطوط سكك الحديد، وسدّ محطة كاخوفسكايا لتوليد الطاقة الكهرومائية». وأضاف أنه على رغم كلّ المحاولات، خلال الأشهر الماضية، «لم تتمكّن القوات الأوكرانية من تعطيل هذه الطرق، لكن الوضع تغيّر مع تسلُّمها مقذوفات وصواريخ طويلة المدى وعالية الدقة، وهو ما غيّر في المشهد الميداني، وكانت أولى معالمه ما حصل في معركة جزيرة زميني في نهاية شهر حزيران، حين اضطرّت القوات الروسية للانسحاب منها». ووفق لافروف، فإن أنظمة الدفاع الجوي المتاحة لم تنجح في اعتراض الصواريخ الأوكرانية إلى الآن، وهو ما أقرّ به سوروفكين نفسه بقوله إن مشكلة الصواريخ لم يتمّ حلّها بالكامل، إذ وعلى رغم كل الإجراءات المتَّخذة من قِبَل القوات الروسية، إلّا أن نحو 20% من الصواريخ الموجّهة تصل إلى أهدافها. بالإضافة إلى ما تقدّم، بدأت القوات الأوكرانية، منذ أيلول الماضي، في استخدام قذائف «M982A1 Excalibur» مقاس 155 ملم التي حصلت عليها من «البنتاغون»، والتي تم تصحيحها بواسطة نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، وهذه الذخيرة يستحيل بشكل عام اعتراضها بواسطة أنظمة الدفاع الجوي، بحسب ما أشار إليه المحلّل العسكري أنطون لافروف. ولفت لافروف إلى أن القوات الأوكرانية «نجحت في تعطيل الحركة في الجسر وخطط سكك الحديد المؤديّة إلى خيرسون، وكان يمكنها أيضاً إيقاف الحركة عبر سدّ محطة كاخوفسكايا، كما تعرّض ميناء خيرسون لهجمات صاروخية». وبحسبه، فإن النقص في الإمدادات، خصوصاً مع خطوة الحركة عبر العبّارات والعوامات والقوارب، أدّى إلى نقص في الذخيرة والعتاد، وما هو تسبّب في نقص في الاحتياطات المتوافرة للجنود وكذلك عدد المعدّات العسكرية الصالحة للاستخدام.

وعلى رغم الضربة المعنوية الكبيرة لصورة الجيش الروسي بعد قرار الانسحاب من خيرسون، إلّا أن الخبراء الروس أجمعوا على أن القرار كان ضرورياً مع اقتراب الشتاء، مع ما يعنيه ذلك من صعوبة في تأمين العتاد والطعام للجنود على الضفّة اليمنى لنهر دنيبر، بخاصّة وأنه لو لجأت موسكو إلى إعادة الانتشار في المنطقة لكانت وضعت جنودها في مواجهة مصيرهم في ما لو أقدمت كييف على ضرب سدّ محطّة كاخوفسكايا، وهو ما يعني غرق المنطقة بأكملها.

ويسود انطباع لدى الخبراء الروس بأن معركة خيرسون لم تنتهِ بعد، بل أُجّلت إلى مرحلة لاحقة يكون وضع الجيش الروسي فيها قد تحسّن مع وصول القوات الجديدة الملتحقة بعد عملية التعبئة العامة، إضافة إلى تسلُّم هذه القوات الأسلحة الجديدة التي وعد الرئيس السابق لمؤسسة «روس كوسموس» الفضائية، دميتري روغوزين، بأنها ستضمن النصر لروسيا. وبينما قلّل الخبراء الروس من خطوة الانسحاب من خيرسون، إلّا أن المحللين الأوكرانيين أكدوا أن استعادة السيطرة على المدينة والتي هي مفتاح المنطقة الجنوبية بأكملها، ستسمح لكييف «باستهداف طرق الإمداد الرئيسة للقوات الروسية، وسيحاول الروس الاحتفاظ بالسيطرة عليها بكل الوسائل». وبحسب المحلّل العسكري الأوكراني، أوليه جدانوف، فإن استعادة خيرسون «من شأنها أن تمهّد الطريق أمام استعادة الجزء الذي تحتلّه روسيا من منطقة زابوروجيا ومناطق أخرى في الجنوب، وفي النهاية العودة إلى شبه جزيرة القرم»، موضحاً أن «استعادة السيطرة على خيرسون ستمكّن كييف مرّة أخرى من قطع المياه عن شبه جزيرة القرم، وسيعاني الروس مرّة أخرى من مشكلات المياه العذبة هناك».

 

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى