تعدّدت النساء والمسلسلات … والعقلية واحدة
تعدّدت النساء والمسلسلات … والعقلية واحدة … (بوليغامي)، مصطلح لاتيني يعني تعدد الزيجات .
سألني صديق فرنسي متزوج من امرأة يزيد وزنها عن القنطارين :هل أنت مع (البوليغامي) بصفتك عربي مسلم ؟ أجبته :اسأل نفسك …وأشرت إلى قرينته التي كان يجلس حذوها…أنت متزوج بأكثر من أربع على حسب تقديري.
نعم صديقي، لا حياء في الدين… شخصيّاً مارست أبغض الحلال مرتين أو ثلاث… لم أعد أذكر، لكنّي لم أجمع بينهنّ، ذلك أنّ البلد الذي أحمل جنسيته يمنع تعدّد الزوجات في سابقة عربية رائدة ووحيدة منذ خمسينات القرن الماضي ضمن قانون الأحوال الشخصية الذي أعطى المرأة حقوقاً كثيرة كادت أن تكسر ذراع الرجل، بل وتجعل الزمن والزوجة والقضاء يجتمعون عليه.
ذكّرت صديقي الأوروبي أنّ بلدين مسلمين وهما تركيا وتونس قد أقرّا حق المرأة في كل شيء (بما فيها التبنّي والإجهاض وتعديل قانون الميراث)، قبل فرنسا التي تفخر بأرقى القوانين المدنية في العالم وأنّ الآية الكريمة تقول :(…ولن تعدلوا)…. فتأمّل في نهايتها قبل بدايتها أيها المستشرق المستعجل.. والمستغرب ممّا وصل إليه حالنا بسبب بعض مدّعي الإفتاء وخفافيش الظلام.
أسأل نفسي: ما فائدة عمل تلفزي مثل(الحاج متولّي)، يكرّس عصور الانحطاط في قالب كوميدي سمج يدسّ السمّ في السمّ !؟… ثمّ جاءت لتردّ عليه(الحاجة زهرة وأزواجها الخمسة) بما هو أسخف .
ما فائدة أن تتفرّج على مسلسل تفوح منه رائحة دماء الثأر والدفاع عن (الشرف) بنخوة عالية وكأنّ لا وجود لمحاكم وعدالة وقضاء.
ما خطورة أن يشاهد هذه المسلسلات مواطن تتمتّع بلاده بشيء من القوانين المدنيّة الحديثة، ألا يحرّك في نفسه الحنين إلى عصر الحريم والجواري والمحظيات….أم أنّ الأموال هي التي تتحكّم في كل شيء … قال علي بن أبي طالب: (الفتنة نائمة، لعن الله من أيقظها).
هل سمعتم بأغنية غربية تتغزّل بالزواج و تقول كلماتها: (مرتي حلوة ما بطلّقها) أو (يلّي بدّو يتجوّز يرفع إيدو ) و(بدنا نتجوّز ع العيد) … وهلمّ جرّا ممّا يعبّر عن الكبت الجنسي والتحايل على العلاقات الغرامية خارج مؤسسة الزواج.
هل سمعتم عن الجدل وحرب الفتاوى حول استعاضة ممثلة عربية عن حجابها بشعر مستعار في إحدى الأدوار التلفزيونية.
هل شهدتم (صبحيّة النساء) وهنّ يقرأن الفناجين ويتحدّثن عن الشفط والنفخ، تخيلوا هذا على قناة من أوروبا ..! حيث تقصد فيها المرأة عملها منذ السادسة صباحاً ولا تجد الوقت الكافي للتزيّن والتبرّج…. الأنكى من ذلك أنّ الكثيرات من (سيدات المجتمع العربي) يعتبرن (الصبحيّة ) من مظاهر الحداثة ومواكبة العصر..!.
هل شاهد واحد منّا مسلسلاً عربياً واحداً لا تدخل فيه الكاميرا إلى المطبخ ولا يعدّون فيه النقود ولا تقول فيه الزوجة لزوجها: (يا تاج راسي)…!؟.
ليس الخلل في صنّاع الدراما التلفزيونية عندنا – فكيفما كنتم (يتلفز)عليكم- وإنّما في تركيبة مجتمعاتنا التي تأبى التطوّر إلاّ في اتجاه ثقافة الاستهلاك أو اجترار الماضي وكأنه جنة مفقودة.
الغريب في الأمر أنّ بعض السلطات العربية ذات رؤية تنويريّة وتقدّميّة أكثر من شعوبها وأنّ الرقابة الاجتماعيّة أشدّ صرامة من الرقابة السياسية وأنّ الفرد فينا أصبح يطلب العسر بدل اليسر، على عكس ما أوصت به الشرائع كلّها….هل صدق المثل القائل: (يقودونهم إلى الجنّة بالسلاسل..!).
الغريب إنّ حركات تحرّر المرأة في ثلاثينات القرن الماضي –وحتى الآن- قادها رجال، من الطاهر الحدّاد في تونس إلى قاسم أمين في مصر .
أمّا ما يثير التساؤل المفزع فإنّ أغلب (الصرعات ) النسائية من موضة وغيرها قد اتبعها الرجل على مزاجه ورغباته وحسب قياسه …وكأنّ لسان حال المرأة يقول له دائما: (انت بتفصّل وأنا بلبس)، (أنا اللحم وأنت السكين).
يؤسفني أن أعترف بأنّ بعض النساء العرب (ذكوريات) أكثر من الذكور …. وإلاّ كيف نفسّر ذهاب زوجة لتخطب لزوجها…!؟…هذا ما شاهدناه في مسلسلات عربية يتنفّسها المواطن أكثر من هوائه اليومي.
في كل بلاد العالم تقف المرأة والإعلام والثقافة على يسار السلطة … إلاّ في بلاد العرب.