تحليلات سياسيةسلايد

توجيهات بافتتاح معابر الشمال: أنقرة تُبادل دمشق خطواتها

في ما يبدو خطوةً مقابِلةً لقيام الحكومة السورية بافتتاح مركز مصالحة خاص بإدلب، وجّهت تركيا، الفصائل الموالية لها، بقُرب افتتاح معابر الشمال الثلاثة تصل بين مناطق سيطرة دمشق والشمال السوري، بشكل دائم، تسهيلاً لمسار عودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى مدنهم وقُراهم. وعلى رغم أهمّية هذه الخطوات على طريق إعادة تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة، إلّا أن الأخيرة لا تزال تُظهر تذبذباً في أدائها، يجلّيه مثلاً، وفق ما رشَح من اجتماعات نيويورك، إصرارها على تأجيل البحث في مسألة تواجُدها العسكري في سوريا، فضلاً عن استمرارها في طرْح مشروع «مدن الطوب»، المموَّل قطرياً، كحلّ لمعضلة اللاجئين، تتمسّك دمشق في المقابل برفضه

على هامش اجتماعات الجمعية العامّة للأمم المتحدة في نيويورك، عَقد وزراء خارجية «مسار أستانا» (روسيا وإيران وتركيا) اجتماعاً مغلقاً، انضمّ إليه لاحقاً المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسن، لمناقشة سُبُل دفع العملية السياسية قُدُماً، بالإضافة إلى ملفّ المساعدات الإنسانية وطُرق تسريع وتيرة إيصالها وإزالة العوائق مِن أمامها. وفي وقت خرج فيه البيان الختامي للاجتماع ببنود عريضة تضمّنت التشديد على ضرورة إحياء مسار «اللجنة الدستورية»، تُفيد مصادر معارِضة متطابِقة بأن خطوات الانفتاح بين تركيا وسوريا، والعقبات التي تُواجهها، استحوذت على معظم أجندة اللقاء. وتكشف المصادر، في حديث إلى «الأخبار»، أن تركيا كانت جهّزت ورقة عمل حملتْها معها إلى نيويورك، تشتمل مجموعة قضايا من بينها الوجود العسكري التركي في سوريا، والذي تُطالب دمشق بإنهائه كخطوة أوّلية للانفتاح بين البلدَين. وفي هذا الصدد، «أعادت أنقرة الحديث مرّة أخرى عن ضرورة وجود هذه القوات في الوقت الحالي، وإمكانية سحْبها وفق جدول زمني محدّد مقرون بخطوات مقابِلة على الأرض، تكْفل إبعاد خطر الأكراد من جهة، وحلحلة واضحة لملفّ النازحين واللاجئين، بالإضافة إلى تحقيق قفزة في مسار الحلّ السياسي، وفق المصادر نفسها. ويأتي ذلك وسط تَوقّعات بعودة نشاط «الدستورية» خلال الشهرَين المقبلَين، بعدما جرى حلّ المشكلة الرئيسة التي جمّدت مسارها، والمتمثّلة في الخلاف على مكان عقْد اجتماعاتها (مدينة جنيف السويسرية) على خلفية تخلّي سويسرا عن حيادها وانضمامها إلى الحملة الغربية على روسيا. وكانت تركيا حاولت تجاوُز هذه العقبة، عبر اقتراح نقْل الاجتماعات إلى مدينة إسطنبول، وفق ما أفادت به مصادر مطّلعة «الأخبار» في شهر تموز الماضي، وهو عرْض جرى رفضه في حينه.

في السياق نفسه، تُفيد مصادر سورية معارضة واكبت مجموعة لقاءات عَقدها مسؤولون عسكريون واستخباراتيون أتراك مع عدد من ممثّلي الفصائل المعارِضة وسياسيين معارِضين، في حديث إلى «الأخبار»، بأن أنقرة «حاولت، خلال تلك اللقاءات، تقديم تطمينات بأن قوّاتها لن تنسحب من سوريا في الوقت الحالي، كما لن تتْركها بشكل مفاجئ، وأن الأمر برمّته مرتبط بعوامل أخرى تَجري دراستها». وإذ فسّر المعارضون ذلك بأنه «وعْد بعدم الانسحاب»، فإن المصادر تعدّ هذا التفسير «غير دقيق»، مبيّنةً أن «حديث الأتراك كان واضحاً بأن الأمر مرتبط مجموعة عوامل، قد تسير بشكل عاجل أو قد تتطلّب مزيداً من الوقت». وجاءت الاجتماعات المُشار إليها في أعقاب توسيع الولايات المتحدة نشاطها في الشمال السوري، وسعيها لتمتين جسور تواصلها مع الفصائل المعارِضة، الأمر الذي اعتبرته تركيا جرس إنذار بوجود نيّة لسحب ملفّ المعارَضة من يدها، وهو ما حَملها على بدء مساعٍ مضادّة انتهت إلى إفشال محاولات توحيد الفصائل مرحلياً، بالإضافة إلى تسريع وتيرة صرف بعض المستحقّات المالية المتأخّرة لجماعاتها. وبالتوازي مع هذه المساعي، أعلمت أنقرة الفصائل باقتراب فتْح ثلاثة معابر إنسانية جرى إغلاقها سابقاً تصل مناطق سيطرة الحكومة السورية بالشمال السوري كاملاً. وشدّدت تركيا على أن المعابر المُشار إليه ستُفتح بشكل دائم، على خلاف الآليّة القائمة حالياً والمقتصرة على تشريعها خلال إرسال المساعدات الإنسانية عبر الخطوط فقط.

وفي حين يبدو أن تركيا ستعمل على استثمار تلك الخطوة سياسياً، عبر ربطها بالمفاوضات الأمنية والعسكرية القائمة مع سوريا، فإن إعادة الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، في كلمته أمام الجمعية العامّة للأمم المتحدة، طلب المساعدة لإتمام عمليات بناء «مدن الطوب» قرب الحدود، والتي تمثّل إحدى النقاط الخلافية بين دمشق وأنقرة، تَشي بأن الأخيرة تريد جنْي مكاسب كبيرة من مسار الانفتاح على جارتها، على رأسها التخلّص من عبء اللاجئين السوريين، في مقابل تقديم تنازلات محدودة من قِبَلها، لا تضرب جوهر المشاريع القائمة حالياً، والمموَّلة من قطر التي باتت تمثّل رأس الحربة في المشروع الأميركي في سوريا.

تعيش مدينة إدلب، هذه الأيام، حالة غليان على خلفية تصاعُد عمليات الضغط التي تمارسها «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقاً) على العناصر غير السورية المنتشرة في المحافظة، سواءً المنضوية في صفوفها أو في صفوف فصائل راديكالية أخرى لا تزال تحتفظ بحضور محدود هناك. كما يأتي هذا التوتّر على وقْع استمرار جهود التخلّص من العناصر والقيادات «غير المنضبطة» التي عبّرت صراحة عن عدم رضاها على مشروع زعيم التنظيم، أبو محمد الجولاني، الذي تَحوّل، بالنسبة إليها، إلى أداة بيد تركيا. وسُجّلت ليل الأربعاء – الخميس اضطرابات أمنية على صعيدَين متوازيَين: الأوّل في الشارع، بعد اعتقال مقاتل رَفض الخروج من منزل يعيش فيه مع عائلته إثر تهجير سكّانه؛ والآخر في أروقة «الهيئة» نفسها، وتحديداً في صفوف القيادتَين العليا والمتوسّطة، وفق ما أفادت به مصادر في إدلب «الأخبار».

وفي وقت تناقلت فيه مصادر «جهادية» عبر مواقع التواصل الاجتماعي أنباءً عن «انقلاب» يجري تدبيره ضدّ الجولاني، أوضحت مصادر «جهادية»، في حديث إلى «الأخبار»، أن ثمّة اضطراباً داخلياً فعلاً في صفوف «تحرير الشام»، غير أنه لم يرْقَ بعد إلى مستوى «انقلاب»، في ظلّ الدعم الكبير الذي تقدّمه تركيا للرجل الذي أثبت ولاءه لها. وفسّرت المصادر الحشود الأمنية والعسكرية التي ظهرت في شوارع المدينة بأنها «عملية استعراضية أراد الجولاني القيام بها للتأكيد على نفوذه وقدرته على ضبط المدينة»، مشيرة في الوقت ذاته إلى استمرار عمليات إخراج المقاتلين من منازل العائلات المهجَّرة لتمهيد الأرض لإعادة ما يمكن إعادته من السكّان إلى منازلهم، وفق التوجيهات التركية. والجدير ذكره، هنا، أن تلك التوجيهات أُرفقت بوعودٍ باستمرار تدفّق المساعدات، سواءً عبر معبر باب الهوى (عبر الحدود) أو عبر خطوط التماس مع دمشق، حيث جرى إدخال قافلة مطلع الأسبوع الحالي، فضلاً عن وعد بحلّ ملفّ إدلب سياسياً، والعمل على منع أيّ انزلاق إلى مواجهات مسلّحة قد تُعيق جهود إعادة اللاجئين.

 

 

صحيفة الاخبار اللبنانية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى