خانته زوجته…فخصى نفسه انتقاما ..!
خانته زوجته…فخصى نفسه انتقاما ..!…نعم , هذا ما يحدث في مجتمعاتنا المعبّأة والمحتقنة ,إذ لا تفرّق الحشود الغاضبة بين الدولة والحكومة , بين النظام والبلاد ,بين الحرية والفوضى ,بين مكتسبات الشعب ومصالح الفئات الحاكمة .
حين تمتلئ القلوب نقمة, تتصدّع الرؤوس غضبا وتستغيث الأمعاء جوعا, لا تجد الفئات المسحوقة وقتا لقراءة (العقد الاجتماعي )لجان جاك روسو , أو غيره من كتابات منظّري الحياة المدنيّة والأخلاقيّة ..ودعاة التحرّك السلمي والنضال النقابي والعمل المطلبي ,ذلك أنّ البطن الجائع لا يفهم ولا يعي ,والعنف لا يقابله إلاّ عنف مضاد …ولكن…ولكي لا نزر آزرة وزر أخرى ,هل أنّ التصدّي للظلم والاستبداد من شأنه أن يبرّر قتل الأبرياء وترويع الناس وقطع الطرقات ؟! هل أنّ إتلاف المرافق العامة وإحراق مؤسسات الدولة المدنيّة التي بنتها جيوب وسواعد المواطن الفقير ,كفيل بإسقاط أيّ سلطة.
يبدو أنّ المعادلة أعقد بكثير ممّا تخيّلت وممّا يقرأه المحلّلون والمراقبون خلف مكاتبهم وأمام شاشاتهم – وأنا العبد الفقير الذي شاءت له المصادفات أن يعيش ويعايش أكثر من انتفاضة شعبية في أكثر من بلد عربي – ,. لقد بات الأمر يحتاج إلى أطبّاء نفسانيين تستقدمهم الأمّة من خارج الحدود ,يجعلونها تسترخي على مقاعدهم الطويلة لتبوح لهم بكامل عقدها الظاهرة والباطنة ,تحت أضوائهم الزرقاء وموسيقاهم الخافتة.
الإضرار بممتلكات الناس أبرز ما يفعله الناس بحق أنفسهم بعد كل (فورة ) تفشل كل مرّة في تحويل حرف (الفاء) إلى (ثاء) .
تحصي المدن في صباح اليوم التالي كدماتها مثل ملاكم وحيد على حلبة الهزيمة وقد غادرته هتافات الجمهور ووعود المراهنين ويافطات الشركات الراعية.
هنا على قارعة الطريق وأمام الدكاكين المغلقة أو المنهوبة :
هاتف عمومي مخلوع ,قمامة متكوّمة ,مدارس تحترق بكتبها ودفاترها ومقاعدها, سيارة إسعاف تطلب الإسعاف ,مستوصف يموت ,نيران تلتهم الأفران مع خبزها ,ماء وغاز ووقود وكهرباء واتصالات في إجازة مفتوحة …ولا صوت يعلو فوق صوت الرصاص.
أعتقد أنّ هذا (الخصي الجماعي) لا يزيد إلاّ من (فحولة) المغتصب و (شرعنة) الخيانة ..وتمادي الشامتين وشراسة الصيّادين في الشوارع الضيّقة …ولكن…هل تنفع حكمة غاندي ويؤثر عمق رسالته الانسانية في القرن الواحد والعشرين …وفي أشباه الإنسان ؟! ,يبدو أنّ ساعي البريد قد لاقى حتفه في الطريق بفعل قذيفة ,ولم يبق أمامنا إلاّ الصراخ المبحوح لإيصال الرسالة أو شدّ الرحال إلى من يهمّه الأمر.
يقول قائل :(لا نحن هنود ولا حكّامنا انكليز) ,نعم ,هذه حقيقة لا تقبل الجدل ,وبصرف النظر عن المفاضلات بين الثقافات والعقائد وطبيعة الشعوب .
هكذا يبقى الجدل البيزنطيّ قائما وعقيما ,لا طائل من ورائه , بين مقولتين ضاربتين في عمق الذاكرة الجماعية العربية وهما :(كيفما كنتم يولّى عليكم ) من جهة ,و(قال يا فرعون مين فرعنك؟ قال ما لقيت حدا يصدني ) من جهة ثانية.
ثمّة رأي ثالث قديم بدأ يتجدّد ويطلّ برأسه من ركام الفوضى بعد أن حسبناه قد اندثر وتهاوى مع جدار برلين ونظرية فوكوياما ,وهو أن نترك للتاريخ فعله في تعميق الوعي بشعور الدولة والمواطنة بين الحاكم والمحكوم ,خصوصا بعد تنامي الحملات الإعلاميّة في العالم ضد الأنظمة القمعيّة الفاسدة وإن كان بعضها أو أغلبها عبارة عن كلمة حقّ يراد بها باطل …- على عكس ما تنزلق إليه احتجاجات وانتفاضات رعناء في بعض بلداننا – فتصبح 🙁 فعل باطل يراد به حقّ).
لكن (وما أكثر الاستدراك الذي يستدركنا في هذه المسألة الشائكة) ,ما هي الأولويات التي على الحكومات الوطنيّة – إن وجدت – توفيرها في برامجها الإصلاحيّة حتى تنهض بشعوبها , وقبل ذلك كلّه ,تجنّب نفسها أعواد المشانق وموجات الثأر البغيض والانتقام الأعمى ؟ ,ما السبيل إلى (علاقة صحيّة)بين المواطن والدولة ,دون أن يعيش الأوّل في بلاده زبونا أو أجنبيّا أو ذميّا وتكون الثانية مشخصنة في فرد أو جماعة كطائرة تميّز مسافريها بين (الفيرست كلاس )
وركّاب الدرجة السياحيّة ,وصولا إلى رحلات (الشارتر) من مستعملي الخطوط التجارية الرخيصة في المناسبات وأوقات الذروة.
*كلمة فوق الغيوم :نسيت أن أقول لكم إن الطائرات كالدول,منها القديم ومنها الحديث ,منها التي تفوق سرعة الصوت ومنها من تكتم (الصوت) ,منها من ينجو من المطبّات الهوائية ومنها من يتحطّم في السماء بعد أن يفقد الاتصال بأبراج المراقبة …ويتوقّف ذلك على نباهة الطاقم …لكنّ كلّها معرّضة للاختطاف والقرصنة .