كلمة في الزحام

ذائقة اصطناعية

ذائقة اصطناعية..

لماذا لا يخترعون تطبيقا على نظام “الوورد”، يمتنع تلقائيا عن الكتابة كلما حاول أحد أشباه الشعراء استخدام عبارة لمحمود درويش، مثلا.. ويا حبذا لو تظهر له على شاشة الكمبيوتر، شتيمة على شكل عبارة نابية ـ لم لا؟ ـ أو حتى كلمة تقريع تزدري فعلته تلك مثل ” ألا تخجل على نفسك؟” أو ” هيا اترك الكيبورد واغرب عن وجهي أيها اللص“.

ساعتها، سوف يلجأ هؤلاء الجهابذة إلى الكتابة بالقلم والورقة، تجنبا لأي إهانة يمكن أن تلحق بهم من جهاز الكمبيوتر.. وعندها، تشترط دور النشر والصحف والمجلات أن لا تنشر إلا النصوص التي تردها مرقونة ومطبوعة على الكمبيوتر.

ألا يكون بذلك قد حمينا النصوص الأصلية من السطو والسرقة، نظفنا الساحة من الدخلاء ووفرنا على أجهزة الرصد والمراجعة والتدقيق، أجور الموظفين المكلفين بهذه المهمة؟

يمكن استخدام هذا الذكاء الاصطناعي أو فلنقل ” الذائقة الاصطناعية”ـ على وجه الدقة والتحديد ـ في مجالات فنية وإبداعية أخرى كالموسيقى والغناء والرسم والتمثيل والإخراج بل وحتى طرق التحدث والتودد واللباس والمزاح والانفعال.

ميكروفون ذكي يشوش تلقائيا على صوت مغنّ تافه يحاول أن يقلّد صوت جورج وسوف، ومفرداته المعهودة أمام جمهوره، مثل جمل “حبيب قلبي، مثلا.

فرشاة رسم ذكية تمتنع تلقائيا عن خلطة ألوان مكررة أو ضربات ريشة مألوفة أو مزاج تشكيلي يتفرد به فنان بعينه.

هذا التطبيق الذكي، لو يجري تطويره وتعميمه، سوف يقلب الكثير من الأشياء رأسا على عقب. وكما يبحث الناس الآن، في غوغل عن كل معلومة يقولها متحدث على الطاولة فيكذبونه أو يصدقونه، سوف يشهّرون أجهزتهم في المستقبل أمام المغنين والممثلين في المسارح والرسامين في صالات العرض ويطبقون ” المحاكمة” نفسها، مع اللاعبين والشعراء وعارضي الأزياء، وكل من يدعي أنه أتى بالجديد المبتكر.

المشكلة الوحيدة التي يخلفها تطبيق الذائقة الذكية، هي أنها سوف تكون ” قاسية” أكثر من اللزوم، إذ أنها تمنع التأثير والتأثر، تعتبر التناص الأدبي، ضربا من ضروب “التلاص”، وتحرمنا من روائع عبدالوهاب، والأخوين رحباني، بحجة أنهم ” نهبوا ولم ينهلوا” من التراث الموسيقي العالمي.

لنبعد أكثر من ذلك في حال وقع تعميم هذا الذائقة الاصطناعية، ونزّلنا تطبيقاتها على الأجهزة في الصالونات والمطابخ والمدرجات، ودور العرض والعبادة.. سوف نُحرم، عندئذ، من كل فرجة أو ضحكة أو همسة أو كذبة أو عضة، بحجة أنها مزورة وليست أصلية.

ربما يُسمح للمقلدين، دون غيرهم بممارسة هواياتهم، على اعتبار أنها ـ مثل المتجر التايواني ـ يقدم نفسه كمقلد وليس كمبتكر، ولكن المعضلة أن هناك مقلدين يقلدون مقلدين آخرين.. و”ع الأصل دوّر” كما يقول عدويّة الذي استنسخوا فنه دون حياته.

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى