ذكريات الصحافة الثقافية السورية : أربعة إعلاميين وهاجس واحد !
خاص
أنصت جمهور النادي الثقافي في مركز أبي رمانة الثقافي إلى حديث في ذكريات الصحافة الثقافية السورية شارك فيه كلٌّ من الإعلامية فادية جبريل رئيسة تحرير مجلة جهينة والناقد التشكيلي سعد القاسم والمذيع التلفزيوني نضال زغبور إضافة إلى زميلنا الكاتب الصحفي عماد نداف.
وقد اتجهت عناوين هذا الحديث إلى مقتطفات من ذكريات فردية ما لبثت أن حددت المعالم العامة للهدف الأساسي الذي يفترض أن تصل إليه الندوة التي أدارها الدكتور راتب سكر المشرف على النادي الثقافي.
وقد توصلت الندوة إلى خلاصة تفيد أن التجربة الفردية لاتكفي وأن ثمة حاجة لاستراتيجيات العمل الثقافي في الصحافة والإعلام ، وهي نقطة أكدت عليها الإعلامية فادية جبريل التي انطلقت في حديثها من العرض الذي قدمها المذيع التلفزيوني نضال زغبور لتجربته في هذا الميدان والتي توحي بأن التجربة الفردية هي التي يقوم عليها الإعلام الثقافي .
فقدان هذه الاستراتيجيات دفعت الناقد سعد القاسم إلى الذهاب إلى نوعين أو محطتين مهمتين في هذا السياق الأولى هي مقدمات نجاح شهدها الملحق الثقافي في ضحيفة الثورة ثم عودته إلى المراوحة، والثانية هي تحول مجلة هنا دمشق من مجلة للإذاعة والتلفزيون تحتضن قامات ثقافية وفنية كبيرة إلى مجلة فنون لملاحقة أخبار النحو، ، ثم الاستغناء عن التجربة طلياً.
وقد أكد هذه الفكرة الإعلامي عماد نداف عندما وجد أن الحل في مواجهات الاستعصاء التي واجهها في العمل الإعلامي الثقافي كان بالذهاب بعيدا في التجربة الفردية التي تشكل نوعا من الحماية لسمعة الصحفي العامل في هذا المجال.
وتنوعت أشكال الحديث عن هذه الذكريات، فذهب المذيع التلفزيوني إلى تجربته في الصحافة التلفزيونية الثقافية ، فتوقف عند محطات بارزة في هذه التجربة بدأ منذ دخوله أجواء العمل في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون في سورية حيث جرى تدريبه كمعلق رياضية إلا أنه لم يعمل في هذا المجل، وشق طريقه في الحوار التلفزيوني الفكري والثقافي عبر برنامج نادي النوادي الذي حاكى فيه تجارب المنتديات و الجمعيات الموجودة في سورية والتي كان قد تجاوز عددها في ذلك الوقت 470 جمعية ، وقال إن الصراعات المهنية بدأت منذ ذلك الوقت وأنه اتهم بالنخبوية فخاصمه الكثيرون ، ومع ذلك تابع طريقه في برنامج (مدارات) بعد ست سنوات في نادي النوادي. واستمر برنامج مدارات عشر سنوات .
وأشار المذيع زغبور إلى دراسته في المعهد العالي للفنون المسرحية وإلى تجربته في إذاعة الشرق ، ثم عرج على تجربته في البرنامج الذي تلا البرنامجين السابقين بفكرة حملت عنوانا يقول (إلى حد ما) واستضاف فيه شخصيات هامة من الوسط الفكري والثقافي السوري من بينها الكاتب الراحل حيدر حيدلا والمفكر الدكتور الطيب تيزيني وجوزيف كلاس ونجاة قصاب حسن وعبد السلام العجيلي . كما توقف عند تجربته في برنامج حق المواطن في الإعلام.
الإعلامية فادية جبريل لم تذهب في حديثها نحو الذكريات بقدر ما أكدت وجهة نظرها المتعلقة بالموقف من الصحافة الثقافية التي تفتقد إلى استرتيجيات عمل واضحة، مؤكدة على أهمية الإعلام الثقافي في الحفاظ على الهوية الوطنية وعلى أن العمل الفردي لاتكفي بل تحتاج الثقافة وإعلامها إلى استراتيجيات للعمل عليها .
وقالت الإعلامية فادية جبريل إن من مهمات الصحافة الثقافية تثبيت معنى الهوية الوطنية وحمايتها من أي غزو ثقافي قادم ، وأوردت بعض الأمثلة المتعلقة بالجولان وفلسطين ودعت إلى تحصين المواطن لكي يواجه ما يتم من هجمات على الوطن على كل الصعد.
الناقد سعد القاسم توقف عند تجربته في الإعلام الثقافي من خلال سعيه إلى إعادة إنتاج مجلة فنون التي كانت قد صدرت عن الإذاعة والتلفزيون بعنوان (هنا دمشق) ، وكانت منبرا شارك فيه كبار الكتاب والإعلاميين . منوِّهاً إلى عمله في صحيفة الثورة حيث استطاع إيقاف هدم بيت يوسف العظمة وتمَّ نشر الخبر على صدر الصحيفة، ونقل على أثرها ليكون مديراً لمجلة فنون، فطرح كل الأسماء المهمة في الأدب والفنون التشكيلية.
وعرج الناقد سعد القاسم على قضية الهوية الفنية والثقافية لهذه المجلة، مبينا النزوعات المتباينة التي أرادت منها الذهاب إلى عالم النجوم لإفراغها من محتواها الذي نشأت عليه ، وأشار إلى أنه في تجربته تلك وسعيه إلى دفعها إلى هويتها الأولى لاقى انتقادات بأنه يريد تحويلها إلى مجلة ثقافية وكأن ذلك اتهاما يؤخذ عليه.
كذلك أثنى الناقد سعد القاسم على ضرورة وضع استراتيجية لأنَّ غيابها يؤدي لأزمة حقيقية في الإعلام الثقافي وبكلِّ تفاصيل حياة البلد والجغرافيا والأشخاص، حيث تستهدف العولمة جيل المراهقين، مستشهداً بمقولة تشير إلى أنَّ أعدادهم ستصل إلى ٣ مليارات عام ٢٠٣٠، وهؤلاء يجب أن لا يشبهوا بعضهم ولا آباءهم، مشيراً إلى أنَّ أغلب الجيل الحالي يحبُّ ما يرتديه الممثلون ويميلون للتفاهة، ومن يريد نشر إعلام ذي رسالة لابدَّ من امتلاك وسائله فالإعلام يجب أن يكون مدروساً.
الكاتب الصحفي عماد نداف اكتفى بالحديث عن هجرته الأولى إلى بيروت بعد سعي البعض إلى استبعاده من صحيفة الثورة التي رشحه للكتابة فيها الصحفي الراحل عباس الحامض، وقال إنه اكتسب تجربة غنية في الصحافة اللبنانية والفلسطينية في بيروت ، وقد عاد بعدها إلى دمشق ليجد الكثير من العقبات دفعته إلى السعي إلى مراكمة تجربة فردية عبر الحوارات الهامة في التاريخ السياسي والثقافي التي أجراها مع رموز الحركة السياسية في سورية كخالد بكداش الأمين العام للحزب الشيوعي والدكتور جمال الأتاسي أمين عام الاتحاد الاشتراكي العربي ونوه إلى حوارين جادين مع الدكتور الطيب تيزيني والدكتور جورج طرابيشي تمكن من خلالهما من كسر نمطية الحوار الثقافي والفكري السائد .
وقال الزميل عماد نداف إن الإعلام يحتاج إلى حريات إلى جانب الخطط الاستراتيجية، ثم بيَّن أنَّ الدائرة الثقافية في التلفزيون كانت تعجَّ بالمفكرين، والكتَّاب، والأدباء أمثال: ممدوح عدوان، شوقي بغدادي، الدكتور نبيل الحفار وغيرهم؛ بينما في الوقت الراهن دائرة الثقافة في مبنى الإذاعة والتلفزيون يوجد فيها وجوه شاحبة لامعنى لها في الواقع الثقافي، وفي هذه الحالة لا تستطيع المؤسسات الإعلامية أن تنتج أو تقدم صوتاً أو تفاعلاً إلا وفق مبادرات فردية لصحفي يجب أن يكون مثقفاً ملماً باللغة العربية ومعرفة تاريخ بلده وفنه، كلها معطيات لايتقنها الجيل الصاعد ولابدَّ من التأسيس لإعلام جديد.
بوابة الشرق الأوسط الجديدة